المقاطعة والمنازعة
كلما وقع "حدث" استفزازي مفاجئ للعرب والمسلمين في موضوع القضية الفلسطينية كما في قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، دعا نفر مخلص منهم لمقاطعة سلع الدول المتماهية مع اسرائيل الصغرى وإسرائيل الكبرى (اميركا). وفي كل مرة تتداعى الدعوة للأسف وتتلاشى وتموت مع "تداعي" صوت الحدث وتلاشيه في الانتباه وموته في الوعي.
كانت المقاطعة فعالة أيام زمان والحديدة حامية. كان هناك إجماع عربي عليها، ومكتب متخصص في أمرها. وكانت الدول العربية جميعها تقاطع أي شركة بمجرد طلب مكتب المقاطعة منها مقاطعتها بعدما تبين له تعاملها مع اسرائيل.
ولكن المقاطعة تداعت وماتت بتداعي القضية بالاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ثم باتفاقيات السلام معها، وبخاصة اتفاقية اوسلو واختراع السلطة الذاتية الفلسطينية تحت الاحتلال في إثرها. يضاف إلى ذلك مقاومة الحكومات المعنية وبخاصة أميركا للمقاطعة، وحروب الخليج والحروب الأهلية والمذهبية العربية التي تدق المسمار الأخير في نعشها.
ويبدو أن الصراع الشيعي السني أو الإيراني الفارسي العربي يخدم اسرائيل أكثر مما يخدم الطرفين، لأن أحدهما يرى في إيران وأتباعها في بلاده أشد خطراً عليه من خطر إسرائيل. ولذلك يتخلى عن موقفه المعادي لها.
أرأيتم كيف تراجعت المقاطعة والقضية عند أهلها باتفاقية أوسلو ثم عند جيرانها باتفاقية السلام، فبقية الدول العربية، فالدول المسلمة فدول العالم المختلفة. ومع هذا فإن الصرع الفلسطيني الإسرائيلي لن يختفي ولن يذوب لأنه كالصوّان صراع وجودي بين الطرفين بكل معنى الكلمة.
أعتقد أنه مثلما حدث في أثناء الصراع الصليبي الإسلامي من حروب وسلام (صلح الرملة) واستيطان وانتهى بطرد الصليبيين نهائياً من البلاد، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سينتهي بالمثل ولو بعد حين وسينهض المسيح الفلسطيني الجديد من الموت إلى الحياة وسيعود المستوطنون اليهود إلى بلادهم التي غزو فلسطين منها.
***
لقد فاز ترامب بالرئاسة الأميركية عندما كشف عن ميوله الصهيونازية فتبارى أصحاب المليارات من الجمهوريين والصهيونازيين في دعمه. فالجمهوريون دعموه لجذوره النازية التي كانت تقوم على تفوق الجنس الجرماني (ألمانيا فوق الجميع) وعنده هم البيض المتعصبون في أميركا، وتغريدته المعروفة عن تفوقهم في المظاهرة المعروفة في فيرجينيا دليل عليه. والصهيونازيون دعموه لأنه يؤمن بأن اليهود شعب الله المختار بمصاهرته مستوطناً يهودياً إسرائيلياً (جاريد كوشنر) وتعيينه مستشاراً لديه ووسيطاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبافتخاره بتهود ابنته وأحفاده، وبقرفه من حقوق الإنسان (المهاجرين، والحالمين من الأطفال المهاجرين) لأنها تضع صعوبات وعقبات أمام الأولويات الأميركية الأمنية (أو البزنس الأميركي) كما تقول اليزابيث شيكلفون، الموظفة السابقة في الخارجية الأميركية المستقيلة بسبب هذا الأمر. وأخيراً تهديده بقطع المساعدات عن الدول التي اعترضت على قراره حول القدس بادئاً بخفض إسهام أميركا في موازنة الأمم المتحدة، ومهدداً بسحب التبرع لوكالة الغوث، وكأنه يرى أن الضمير الدولي يمكن أن يُشترى بالمال.
لعلّ هذه الحالة المذلة للهيئة وأعضائها توجّب عليهم إن كانوا يحترمون أنفسهم نقل الهيئة إلى سويسرا حيث البنية التحتية والحرية والتحرر من الضغوط الأميركية عليهم متوافرة.
إن أميركا وبشهادة الموضوعيين من مفكريها ومنتقديها في العالم هي المنتهك الأول والأكبر والأخير للقانون الدولي وحقوق الإنسان وهو سبب آخر لضرورة نقل المنظمة إلى سويسرا.
الغد 2018-01-19