المخاطر غير الاقتصادية لرفع الأسعار
من المتوقع أن يبدأ التنفيذ الفعلي لحزمة القرارات الاقتصادية الجديدة وعلى رأسها رفع الدعم عن الخبز مطلع الشهر المقبل، والى جانب الضرائب والاجراءات المرتبطة بها فإن مصفوفة رفع الاسعار وكلف الحياة سوف تنال مئات السلع وعشرات الخدمات التي يتلقاها المواطن. وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة المتكررة بأنها وفرت آلية لتعويض الطبقة الفقيرة بدل الدعم الذي بقيت الحكومات توفره للطحين على مدى سنوات طويلة، ولكن للأسف يبدو ان ذاكرة المجتمع والدولة قصيرة وكأننا لم نستفد من دروس التجارب السابقة ومن التاريخ القريب في آليات التعويض التي طبقت في السابق وفلسفة شبكات الأمان الاجتماعي على الطريقة الأردنية، التي لم يصاحبها منظور اقتصادي – اجتماعي لإصلاح التشوهات الهيكلية في بنية الاقتصاد ما قاد الى ما نشهده من هشاشة اجتماعية في مؤشرات الفقر والبطالة تحديدا.
لا خلاف على أنه في الحالة الأردنية لا بد من اصلاحات اقتصادية تقود عمليا الى اعتماد الدولة على جيوب مواطنيها، وهذا الامر ليس مجرد اختراع محلي فكل تجارب الدول التي بنت اقتصادات قوية ومتماسكة قامت على بناء قاعدة انتاجية عريضة تعتمد من خلالها الدولة على جيوب مواطنيها. وصحيح ان اي استراتيجية وطنية للاعتماد على الذات تتطلب اصلاحات قد تكون قاسية، ولكن المشكلة المتكررة لدينا أن الاصلاحات تأتي انتقائية وليست في سياق متكامل وبعضها معلق في الهواء بدون اسس متينة وكأن همّنا أن نمرر قرارات إدارية ترضى بها فئة من الناس.
ان القرارات الاقتصادية سوف تترك آثارا عميقة في البنى الاجتماعية وحتى الثقافية للمجتمع الأردني وللمجتمعات المحلية، تتجاوز الاثار الاقتصادية التقليدية إلى الآثار العميقة المرتبطة بالبنى الاجتماعية والتي تعوّدنا ان لا نأخذها على محمل الجد.
لا يوجد لدينا تقدير واضح او دقيق عن الكيفية التي ستؤثر من خلالها الاوضاع الاقتصادية الجديدة على مستوى العنف في المجتمع الأردني سواء العنف المجتمعي او الجريمة بكافة اشكالها. ثمة علاقة طردية واضحة بين ازدياد معدلات العنف المجتمعي وازدياد الجريمة وارتفاع كلف الحياة، كما هو الحال بالنسبة لانتشار المخدرات والانتحار. الصدمات الاقتصادية الحادة تخلق آليات تكيف اجتماعي اكثر قسوة مع هذه الصدمات والتي تنعكس في نوعية الحياة وفي الرأسمال الاجتماعي ومستوى الثقة والقيم في المجتمع وهذا لا يعني مجرد كلام اخلاقي بل سوف يترجم اقتصاديا ومن ثروات المجتمع والدولة معا.
زيادة الضغط على الموارد بالتزامن مع ارتفاع كلف الحياة بسبب توالي حدة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، تنقل الفئات العريضة من المجتمع الى نمط من الاقتصاد السلعي القائم على سد الحاجات اليومية الأساسية من أردأ الأنواع، وتكتفي الأسر بالبحث عن سد حاجاتها اليومية بالكفاف من سلع وخدمات كانت في السابق ترفضها الأسواق، لأن معيار القدرات الشرائية عادة ما يحدد خصائص أجندة بضائع التجار، في هذا الوقت أخذت مظاهر جديدة تتعمق في سلوك السوق أهمها افتقاد المناعة فيما يعرض للناس من سلع وخدمات تفتقد أبسط معايير الجودة، ما دام هناك من يقبل عليها تحت وطأة جنون الأسعار وزيادة الطلب، سلوك الناس في الاسواق في البحث عن الأردأ سوف يمتد الى سلوك أقسى في المؤسسات وفي التعامل مع المال العام وفي انتشار أشكال جديدة من الفساد الصغير، كل ذلك يحتاج إلى عين ثالثة ترى أين تأخذنا هذه الإجراءات والتحولات؟
الغد 2018-01-21