سماجات ثلجية
وزير التربية والتعليم أعلن أن امتحان التوجيهي في موعده. وقال في رسالة بأنه يعلم أن بعضاً من الطلبة يتمنون لو أن الثلجة مسكت ليؤجل الإمتحان. في الرسالة نلمس أننا (كلنا وليس الطلبة فقط) دائماً ما نبحث عما يعطل ويؤجل ويؤخر حياتنا ومشاريعنا، ولهذا ترانا نتعلق بأي شيء يمنحنا هذا المبرر، حتى لو كان ثلجة باهتة، أو رائحة موجة كسيحة.
الخميس الماضي لم يكن يوم دوام (نصف كم) في غالبية وزاراتنا ودوائرنا كعادته، بل كان أقل (ربع كم). فحين يجتمع يوم نهاية الأسبوع (الذي يسمى في أدبيات تراخينا جحش الأسبوع لأن الجميع يقفزون عنه)، حين يجتمع الخميس برائحة موجة فهذا وقت خصب للتطنيش والتأجيل والهروب المبكر.
لم تعلن دائرة الأرصاد عن ثلج متراكم، ولكن منصات أعلام الزعبرة والتهويل والفزعات الهيلمية جعلت حياتنا وكأننا في حالة حرب مع عاصفة تقتلعنا من جذورنا.
والموسف أن التلفزيون الأردني وملحقاته قد شاركوا في الترويج لتلك الزعبرة بتقارير تخلو من أي مضمون إخباري. وإلا ما معنى أن نقدم تقارير عن جرافة تحاول كشط قشرة ثلج لا يتجاوز سمكها إنشا واحدا.
لا معنى لتكرار مشاهد نقل المرضى وإسعافهم، ولا معنى لنقل صور فتح الطرق والشوارع بالجرافات، إنه حشو اعلامي لا يجدي نفعاً. نحتاج أن يكون تعاملنا طبيعياً مع العواصف والموجات الثلجية، لا أن (نكركب) حياتنا كلما دق الكوز بالجرة.
اللجة مش مليحة على حد قول أمي: «الثلج مش غريب عنا، طول عمرها بتثلج ع الساكت، فبلاش كل هالهوبرة وعرض سيارات الإسعاف والتهويش ع الخبز والبطاطا الحلوة. كل مرة يهرب المنخفض بسبب رعونتنا وطيشنا على شبر مي». (البَركة تحتاج إلى الهدوء).
بلدان كثيرة تصل فيها درجات الحرارة إلى العشرينيات تحت الصفر والثلوج إلى أكثر من متر ومع هذا تبقى عجلة الحياة دائرة بكل سلاسة. ونحن يعرقلنا خبر موجة غير ثلجية أو ظلها.
أتوق ليوم تصبح فيه هذه الموجات والعواصف شيئاً عادياً لا تأخذ كل مساحة فكرنا واعلامنا وتشاغل حياتنا وتنسينا قضايانا وأنفسنا وأعمالنا. فالأمطار والثلوج تسقط في فصل الشتاء. أي أن هذا ليس خبرا يكون مانشيتا رئيسا في منصاتنا الإعلامية.
بالغنا في تعاطينا مع ثلجة لم تمسك؛ لكننا نسينا أن نحمد الله على نعمة أمطار خير عمت أراضينا: الحمد لله.
الدستور 2018-01-21