عملية غصن الزيتون والنفاق الأمريكي
الخارجية الفرنسية دعت الحكومة التركية الى وقف عملياتها التي تستهدف تطهير المدينة من العناصر الارهابية التابعة لتنظيم بي كاكا والاكراد الانفصاليين، دون ان تقدم بدائل معقولة لحماية الامن القومي التركي ومكتفية بتقديم وعود للمعارضة السورية المتاكلة ميدانيا في مفاوضات فيينا المقبلة؛ غير ان الفدرالية الأمريكية تبدو اكثر عدوانية تجاه المعارضة السورية واقل مبالاة بالامن القومي التركي الحليف المهم في الناتو.
لا تخفي واشنطن تعاونها مع التنظيمات الانفصالية ولم تخف نواياها لدعم كيان كردي انفصالي مستقل خصوصا بعد تلميح جنرالاتها بان المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد» ستشهد توافد الدبلوماسيين الأمريكان في اشارة الى اعتراف أمريكي بالكيان الانفصالي وشرعنة الادارة المتحكمة بشرق الفرات متجاهلة المعارضة السورية والحليف التركي؛ فالمنطقة تعد اغنى مناطق سوريا بالنفط وسلة غذاء البلاد ومنصة مستقبلية لممارسة النفوذ واستكمال المشاريع الأمريكية في المنطقة بانشاء تحالفات وتجمعات جديدة ترمم النفوذ الأمريكي المتآكل.
لم يكن الاعلان عن نية واشنطن تشكيل حرس حدود قوامه 30 الف مقاتل امرا جديدا فهي المحاولة الثالثة لتعزيز قوة الاكراد الانفصاليين وتوسيع نطاق عملهم؛ فتشكيل قوات سوريا الديموقراطية « قسد» كان نتاج جهد أمريكي؛ اتبعته باعلان نيتها تشكيل جيش سوريا الوطني؛ الا ان المحاولة فشلت نتيجة ممانعة الفصائل السورية وخصوصا المتواجدة جنوب شرق سوريا الانضمام الى هذه التشكيلة التي يغلب عليها العناصر الانفصالية، وعلى رأسها حزب الاتحاد الكردي وحزب العمال الكردستاني ومرتزقة من اوروبا؛ لتتبعها أمريكا بتشكيل ثالث ومحاولة جديدة وخطرة تتمثل بقوات حرس الحدود.
قوات بررت تشكيلها بحجة تدعيم الاستقرار ومنع داعش بحسب الادعاءات الأمريكية من استعادة نفوذها وتمركزها داخل الاراضي السورية؛ علما بان قوات قسد عقدت اتفاقا مع تنظيم الدولة في الرقة لنقل قواته الى المنطقة المحاذية للحدود العراقية السورية الجنوبية الشرقة ومدينة دير الزور وبرعاية أمريكية؛ امر جعل من الصعوبة بمكان استهداف هذه التجمعات من قبل الطيران الروسي؛ اذ تقبع هذه القوات خلف الخطوط الأمريكية المتقدمة وتقابل القوات العراقية والحشد الشعبي لتتحول الى قوات حرس حدود بشكل تلقائي وضمني يستكمل مشروع حرس الحدد الكردي في الشمال، والذي فرض على القوات العراقية التعاون معه.
أمريكا انشغلت في محاولة السيطرة على الحدود التركية السورية؛ وتجاهلت مواجهة الحضور القوي لداعش على الحدود العراقية السورية الجنوبية الشرقية؛ بل واوقفت عمليتها في المنطقة؛ والاهم ان وزير دفاعها اعلن بشكل صريح لا لبس فيه بان معركة أمريكا مع روسيا والصين وليس مع الارهاب.
التناقض واضح في الاستراتيجية الأمريكية؛ فأمريكا التي طالبت تركيا بتجنب شن هجمات على الانفصاليين ودعتهم الى التعاون لمواجهة داعش تجاهلت وجود التنظيم على بعد كيلو مترات قليلة من اماكن تواجد قواتها وقوات حلفائها؛ كما تجاهلت مصالح الحليف التركي؛ معززة الحقيقة القائلة بان أمريكا تسعى الى تشكيل كيان كردي في الشمال السوري لعلها تستعيض به عن خسارتها في كردستان العراق.
عملية عفرين والتي اطلقت عليها تركيا «غصن الزيتون» تحمل اهدافا واضحة ابرزها الدفاع عن الامن القومي التركي وليس الانخراط في صراع دولي واقليمي؛ معركة ابرز نتائجها تعزيز التقارب التركي الايراني الروسي وزيادة وتعاظم الفجوة بين تركيا وواشنطن؛ معركة ستعزز من حضور المعارضة السورية في منبج وعفرين كما الحال في جرابلس واعزاز وسيكون لها دور فعال في اعطاء دفعة لمفاوضات استانة وسوتشي على الارجح فهي «غصن زيتون»، سيمتد تأثيره الى المفاوضات التي تسعى روسيا الى انجاحها وتعمل أمريكا على اعاقتها.
السبيل 2018-01-22