وإنْ اعتذروا!
حسنا.. اعتذر الصهاينة أو أسفوا بسبب قتلهم لأردنيين، فهذا إنجاز إيجابي يدلّل على مدى التمسك بالحق والعدل وتفعيل القانون، وموقف يسجل للدولة بكل أطرافها ومفاصلها، ويدعونا دوما للتمسك بالحق وعدم الرضوح لأي ضغوطات، بيد أن الاعتذار المتأخر لا يمكن أن يمسح آثار الجريمة النكراء التي ارتكبت بدم بارد، ولا يعفي من المطالبة بمحاكمة القتلة وإيقاع القصاص بحقهم، ومواصلة المطالبة بإخضاع الصهاينة للاعتراف بكل الحقوق الأردنية التي يحاول نتنياهو وزمرته الحاكمة القفز عنها.
في درس الاعتذار أو الأسف كما يريد نتنياهو وزمرته تصويره علينا أن نخرج بيقين أن التمسك بالحق والثوابت يدفعنا للأمام، وأن وضع الخيارات العادلة على الطاولة يجعلنا جميعا نلتف حول تلك الخيارات ولا نحيد عنها، وأن هذا الكيان الذي انتظر 6 أشهر للاعتذار عن حادث السفارة، وصبر سنين للاعتذار عن قتل القاضي الأردني رائد زعيتر بدم بارد عند معبر حدودي، يهوى ويعشق التملص من الحقوق وتسويف الأمور، ويجيد فن الرقص على الحبال، ولا يمكن أن يكون مأمون الجانب يوما من الأيام.
وإن اعتذر الصهاينة أو أسفوا، فهو اعتذار متأخر وأسف لا يعيد الشباب الذين ذهبوا ضحية رعونة فاشيين اعتادوا على القتل دون حساب وبلا رقيب أو حسيب.. وإن اعتذروا فإن ذاك لا يعني نسيان أمر القدس والمقدسات، والتغاضي عن تصريحات رسمية حينا وبرلمانية حينا تصدر عن قادة الكيان تدعو لأن يكون الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين.. وإن اعتذروا فإن ذاك لا يعني نسيان أن هناك جهدا صهيونيا يبذل لتغيبر معالم المدينة المقدسة وفرض أمر واقع عليها.. وإن اعتذروا فإن ذاك لا يعني التغاضي أو السكوت عن المطالبة بتفعيل قرار محكمة العدل الدولية الذي كان للأردن دور في تحريك القضية فيها، والذي قضى بأن جدار الفصل الذي تواصل سلطات الكيان إنشاءه عمل غير شرعي وعنصري.. وإن اعتذروا فإن ذاك لا يعفينا من مطالبتهم بالخضوع لكل قرارات الشرعية الدولية وأولها ما يتعلق باللاجئين والتعويض والانسحاب من الأرض المحتلة التي احتلوها قبل الخامس من حزيران.. وإن اعتذروا فإن ذاك لا يعني نسيان كل من قتلوهم بدم بارد كمحمد الدرة وإيمان حجو وإبراهيم ابو ثريا وغيرهم المئات والألوف من الشهداء الذين استشهدوا ببندقية محتل صهيوني قادم من آخر أصقاع العالم ليستوطن في الأرض الفلسطينية.
وإن اعتذروا.. فهذا لا يعني نسيان جرائم الصهاينة وفاشيتهم بحق الشعب الفلسطيني، وسعيهم لتهويد الأماكن المقدسة سواء في القدس والخليل وبيت لحم وغيرها، ولا يعني أن قياداتهم لا يعتدون يوميا على المرابطات في الحرم الشريف، أو نسيان احتلالهم للضفة الغربية العام 1967 واعتداءهم على جيشنا العربي وقت ذاك في القدس وباب الواد والسموع.
وإن اعتذروا.. فهذا لا يعني أن شعبنا الأردني توقف عن اعتبار الكيان الصهيوني مستعمرا وغاصبا للأرض وقاتلا للإنسان، وأنه يرفض أن تكون القدس عاصمة للكيان، ولا يعني تغيير موقف الأردن من ساكن البيت الأبيض، وحقيقة وجود رئيس معاد لكل الحقوق العربية في فلسطين.
وإن اعتذروا أو أسفوا... فإن الكيان الصهيوني سيبقى بنظرنا قاتلا وسارقا للحقوق العربية في فلسطين، ومعتديا على أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وسيبقى كيانا مغتصبا وقاتلا ويداه ملطختان بالدماء.