مسألة أمن وطني!
هنالك حلقات مفقودة أو فجوة عميقة تتنامى اليوم بصورة مقلقة بين خطاب الحكومات وتصوّراتها لإدارة الأزمة المالية والاقتصادية من جهة والمزاج الاجتماعي من جهةٍ أخرى. فلا يمرّ يوم إلاّ نجد فيه خطابات متتالية مبثوثة على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن المعاناة وتنتقد الأوضاع الاقتصادية والمالية، أو ترصد كلام المسؤولين الحاليين والسابقين وتوظّفه بما يصب في تقطيع الحبال أكثر بين الطرفين!
بدلاً من محاولة تجسير هذه الفجوة وإيجاد الحلقات المفقودة، وإعادة المياه إلى مجاريها بين الحكومات والمواطنين، نجد أنّ هنالك تعاملاً مع هذه الأوضاع بوصفها أمراً طبيعياً واقعياً، من قبل المسؤولين، وربما تجاهله والاستهتار به، وهذا أخطر ما في الأمر، بل نجد تبرير ذلك في قواعد جديدة غريبة في الحكم، لم يقل بها أحد قبل سياسيينا، مثل: نحن لا نسعى وراء الشعبوية، وربما إلقاء اللوم على المواطنين في عدم قدرتهم على تفهّم السياسات والقرارات الرسمية!
مثل هذه الفجوة خطيرة، تنذر بما هو أخطر، ومن الضروري أن نواجهها وندرسها ونتعامل معها، لا أن نتجاهلها. فإذا كانت الحكومة مضطرة إلى اتخاذ القرارات الأخيرة التي تمس الأسعار في العديد من السلع، وتتجاوزها إلى أغلب السلع، نتيجة المديونية والعجز وانقطاع المساعدات، تحت عنوان مهم، وهو "الاعتماد على الذات"، فإنّ هذا العنوان سيكتسب سمعة سيئة ويتحول إلى "اسم حركي" لدى المواطنين للجباية والضرائب وارتفاع الأسعار!
مفهوم "الاعتماد على الذات" هو مفهوم مهم وإيجابي في التعامل مع أسوأ أزمة مالية واقتصادية متراكمة نتعرّض لها منذ عقود، وفي تجنّب الانزلاق إلى مستنقع أكبرـ لكن مثل هذه السياسات كان من الضروري أن تتزاوج مع احترام أكبر واهتمام أعمق بالرأي العام وبحوار وطني أكثر جديّة وبخطاب رسمي متماسك رصين يشتبك مع الشارع ويقدّم حججه، بدلاً من تجاهل الطرف الآخر، ما يؤدّي بالمزاج الاجتماعي والشعبي إلى مزيد من السلبية والسوداوية في الموقف من الحكومة وقراءة السياسات الراهنة، بخاصة القرارات الأخيرة.
هذه المعادلة الدقيقة الموزونة كان من المفترض أن تكون من بديهيات إدارة السياسات العامة في البلاد، فالانفتاح السياسي والإعلامي هو الكفيل بحماية الأمن الوطني والدولة، وليس العكس.
الشرط الآخر الذي يفترض أن تفكّر فيه الحكومة وهي تتحدث عن "سياسات الاعتماد على الذات" هو أنّ المعادلة ليست مالية، ولا مجرّد أرقام صمّاء في حسابات وزير المالية، بل هي اقتصادية- اجتماعية وسياسية وأمنية، فإذا كان الأمن المالي مهما للاقتصاد الوطني والأمن الوطني الأردني، ومن الضروري أن يستوعب المواطن ذلك، فإنّ الأمن الاقتصادي والاجتماعي هو مسألة أمن وطني أيضاً، من الضروري أن يفهم "بعض المسؤولين" ذلك!
نمرّ في الأردن – كما هي حال المنطقة- بنقاط تحوّل مهمة، فيها فرص وتحديات وأخطار، ومن الضروري أن يكون ذلك ضمن حزمة متكاملة سياسياً واقتصادياً ومالياً، كي يكتسب شرعية حقيقية ويحصل على الحدّ الأدنى المقبول من الدعم من شرائح اجتماعية.
الغد 2018-01-29