قسّاميون بدون الـ36 ؟
إنّ موقع استشهاد الشاب أحمد نصر جرار، في قرية اليامون، غرب جنين، في فلسطين، الثلاثاء الفائت، ليس بعيداً عن موقع استشهاد الشيخ عز الدين القسّام، في أحراج يعبد نهاية عام 1935، ولحق جرار أشخاص قاموا بفعل يشبه ما قام به، ولكن للآن على الأقل، لم يلحقه حركة شعبية، كالتي لحقت القسّام، وتجسدت في ثورة ربيع العام 1936 التي استمرت سنوات.
يشكل عزالدين القسّام، (1883 - 1935)، جزءا من إرث النضال العربي، وفي فلسطين ينتشر اسم القسّام بن الناس، ومن أشهر من أسموا ابنهم بالقسام، مروان البرغوثي، القائد الأسير. وأسمت حركة "حماس" جناحها العسكري باسمه (كتائب عزالدين القسّام)، ولكن الشيخ القسّام وما فعله كان مرحلتين.
فهناك قناعة أنّ ثورة 1936 والتي شهدت إضرابا كبيرا لأشهر، والتي تحولت لباكورة الثورة الفلسطينية المسلحة المنظمة، بدعم ثوّار عرب، والتي أدت لتغيرات اجتماعية هائلة اجتماعية وثقافية وسياسية فلسطينياً وعربيا، انطلقت من شرار "ثورة" القسّام. والواقع أنّ مسمى ثورة بالنسبة لحركة "القسّام" فيه قدر من المبالغة، فعدد من كانوا معه عندما أعلن الجهاد كان محدوداً جداً، وفي أحسن الأحوال لم تكن مجموعات وخلايا القسام جميعها، في كل فلسطين، تتعدى عشرات الأشخاص، بأحسن الأحوال، ولم يخرج معه للجهاد المسلح سوى عدد محدود منهم. ولكن ثورة القسام الحقيقية، كانت ثورة 1936، فكان هو بمثابة البداية فقط.
ما يحدث في فلسطين ومنذ نحو عشر سنوات هو أعمال "بؤرية" أي أنّ بؤرة عمل تبدأ، وتُستنسخ، فتصنع موجة، ثم تتلاشى، ولا تنسق وتندمج مع بؤر أخرى لتشكل حالة ممتدة زمنياً وجغرافياً.
عقب ثورات مصر تونس، نشطت بؤر شبابية تحت مسمى "الشعب يريد إنهاء الانقسام"، وأقامت خياماً في مركز المدن ثم توارت. ثم صار هناك حراكات شبابية توارت، وصار هناك حملات ضد الجدار وتوارت، ...إلخ.
عقب عملية مهند الحلبي، في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2015، تبعه شبان عديدون بالقيام بعمليات طعن، فيما سمي بهبة السكاكين، ولكن لم يصل الأمر لحركة شاملة ذات بعد اجتماعي سياسي شامل، ولم تتقدم النقابات وقوى المجتمع المدني لتبني برنامج نضالي شامل. وعجزت الفصائل عن قيادة الشارع، ولم يخش الإسرائيليون كثيراً ظاهرة السكاكين، وتعميمها، فقتلوا أشخاصا عدة، واتهموهم أنهم قاموا بالطعن. ما كان سيُحدِث الأثر الانتقال من السكين للحركة الشعبية والعصيان المدني، الذي كان سيشكل البيئة الحاضنة لأنواع المقاومة المختلفة.
عقب عملية أحمد نصر جرادات، تبعه آخرون، لكن دون أن يكون لديهم بندقيته، وبحسب المزاعم الصهيونية، فإنّ عبدالحكيم عادل عاصي، 19 عاماً، من يافا، قام يوم الاثنين الفائت، بعملية طعن في مستوطنة في سلفيت، أدت (للمصادفة) لقتل حاخام مستوطن آخر، كما حدث في عملية أحمد نصر جرادات، قرب نابلس، يوم 10 كانون الثاني (يناير) 2018. وفي الجنوب، زعم الاحتلال أنّ استشهاد، ابن مدينة حلحول، حمزة زماعرة (19 عاماً أيضاً)، أمس الأربعاء، كان برصاص حارس مستوطنة، مقامة على أراضي بيت أُمّر وحلحول، قرب الخليل، وهذه العمليات الثلاث، لا تنفصل عن عملية عمر العبد في مستوطنة حلاميش، في تموز (يوليو) 2017، ثم عملية نمر جمل في مستوطنة هار أدار، في أيلول (سبتمبر). هذه العمليات مجتمعة، كانت ستكون علامة اندفاع ونشاط وامتداد لفصيل ما لو تبناها أحد الفصائل، ولكن باستثناء أحمد جرادات (حركة "حماس")، لا يبدو أنّ أحداً ينتمي لفصيل حقاً، وتحرك تبعاً لعضويته الفصائلية.
تكرار هذه العمليات، بل وتشابهها، بدءا من موجة الحلبي (2015) إلى سلسلة عمليات المستوطنات والمستوطنين، تؤكد أنّ إمكانية التشبيك والتنظيم بين المجموعات موجودة وواضحة. ولكن ربما يأس الشبان، من العمل الفصائلي، ومن القوى المنظمة الموجودة، مع الواقع المعقد لتوازي السلطة الفلسطينية، وأطروحات حفظ القانون، مع استمرار الاحتلال، هو الذي يصعّب التفكير بالثورة الشعبية المنظمة التي تنطلق من شرارات، كالتي يطلقها هؤلاء الشبان.
يبدو صعباً توقع استمرار حالة عدم التنظيم الراهنة، ويبقى السؤال من ومتى سيتجاوز هذا الواقع؟ ومن سيقرر ويستطيع القيام ببناء التنظيم؟
الغد 2018-02-08