ثلج اللوز
عندما وقع المعتمد بن عباد أسيراً بقبضة يوسف بن تاشفين، ذاق الأمرين بحبسه بمدينة أغمات المغربية، ولما ضاقت عليه الحال؛ قالت له زوجته المدللة: والله ما رأيت معك سروراً قط؛ فتبسم ونظر إلى عينيها اللوزيتين طويلاً، وقال بحسرة دامعة: ولا حتى يوم اللوز!.
المعتمد بن عباد، كان تزوج فتاةً من الشمال، حيث الجبال العالية المعممة بالثلج، ولأنه أحبها حباً جماً، فلم يرد لها طلباً، ولم يعص لها أمراً!، فعندما طلبت منه أن يجلب لها الثلج حول ربوع قصرها، ارتبك كثيراً؛ فبلاده دافئة لا يأتيها الثلج إلا نادراً، فعمد إلى زراعة كل الأراضي الشاسعة، حول القصر بأشجار اللوز، فعندما تنوّر هذه الأشجار، تغدو بياضة واحدة، فيقول لها المعتمد: دونك يا حبيبتي كل هذا الثلج لك!.
دعونا من الزوجات اللواتي يتناسين فضائل الأزواج وخيراتهم، فيطمرن الحسنات، ويشعن السيئات، مع أول زوبعة في فنجان تحدث بينهم!، ودعكم من العيون اللوزية أيضاً، فالرجال كذلك في أغلب أجناسهم، ينسون أيضاً شكل عيون زوجاتهم وألوانها، بعد أقل من بضع سنوات زواج.
وعلى ذكر العيون المنسية يعن على بالي شجر اللوز هذه الأيام، إذ يغرد خارج سرب السكون، فيشب بنواره ونوره الأبيض كنجمة صبح، فهو الشجر الجريء الشجاع كجرأة الأزواج الذين يصرحون بجهلهم بلون عيون زوجاتهم!، وقد كانوا يفتنون بها في ما مضى.
اللوز طموح شموخ إذ يغافل جبهات الشتاء، ويخاتل بعض خيوط الشمس المتساقطة، من بين فروج الغيم؛ فيطرح نواره المتلألئ، فيندغم مندغماً مع خيالاتنا وكأنه ندف ثلج هابطة من قطن السماء! لكنه وللأسف، ما أسرع ما يتساقط هذا النوار، ويذبل وتذروه الرياح في الأرجاء الباردة، فتنساه الناس كما يتناسى الأزواج شكل عيون زوجاتهم المغبونات.
هذا الشجر الفريد الذي ينوّر قبل كل الشجر، وكأنه يتعجل ثماره فيلهث وراء عطاء قريب كحلم، أو كأنه يعلن شيبته قبل شبابه، أو كأنه يحمل كفنه في بذرة ميلاده، هذا اللوز سيمنحنا ثمراً طيباً بعد النوار، وليس مثل أولئك الذين لا نوار عندهم أصلاً، إلا نوار الملح والكذب الأبيض والملون بكل ألوان الطيف والحيف، ولا وعد ثمار لديهم؛ فننتظرهم على قارعة التمني والصبر، لكنهم مع كثير من الأسف يجرؤون علينا بسخافاتهم وترهاتهم فيطرحون أكاذيبهم البيضاء، بكل سوئها وكأنها الأكفان المتحفزة لكل عطاء قد يلوح في صفحة البال.
بعيداً عن هؤلاء المتفذلكين الكاذبين، سيبقى اللوز أجرأ الشجر وأجمله، يقتحم أوج الشتاء، ويعلن أهزوجة الربيع الأولى: مرحى للوز وثلجه، وتباً لكل الكاذبين بعطاياهم السوداء!.
الدستور 2018-02-08