ما وراء التخفيف عن غزة عبر البوابة المصرية؟
إن كان ثمة من يبحث عن أدلة حول استعداد النظام الرسمي العربي التجند لدرء المخاطر عن الكيان الصهيوني واعفاء قيادته من الإحراج، فإن ما يحدث على صعيد جهود احتواء تداعيات الحصار على غزة، يوفر هذه الأدلة.
فعلى الرغم من أن إسرائيل تعي طابع التداعيات الخطيرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، وعلى الرغم من أن معظم المستويات السياسية وجميع القيادات الأمنية في تل أبيب تحذر من أن مصالح إسرائيل بشكل خاص ستتضرر بشكل كبير في حال انهار اقتصاد القطاع، إلا أن هناك ما يؤشر إلى أن القيادة الصهيونية معنية بأن تتولى مصر لعب الدور الرئيس في احتواء تدهور الأوضاع الاقتصادية.
فقد وجد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أنه من المناسب أن يتولى نظام السيسي القيام بخطوات للتنفيس عن القطاع وذلك لتجنب المس باستقرار ائتلافه الحاكم بسبب الخلاف حول الأفكار التي طرحها وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس والقاضية بأن تبادر إسرائيل لحل الأزمة الاقتصادية في القطاع من خلال بناء مشاريع ضخمة، على رأسها تدشين مطار وميناء عائم، وهي الأفكار التي يؤيدها قادة الأمن الإسرائيلي وجميع وزراء الحكومة باستثناء وزير الحرب أفيغدور ليبرمان.
فخوفا من إمكانية أن يتخذ ليبرمان قرارا بانسحاب حزبه «إسرائيل بيتنا» من الائتلاف الحاكم، مما يعني خسارة الحكومة أغلبيتها البرلمانية، فإن نتنياهو يحاول تجنب هذا السيناريو من خلال تجنيد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للضغط على نظام السيسي للتعاون من أجل التخفيف عن القطاع.
من هنا، بدا لافتا أن يعقب إصدار الخارجية الأمريكية وبشكل مفاجئ قبل يومين بيان تحذر فيه من التداعيات الخطيرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، دعوة قيادة حركة حماس على عجل إلى مصر، وذلك رغم تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء إثر إعلان الجيش المصري شروعه في أكبر حملة عسكرية ضد تنظيم «ولاية سيناء» في شمال سيناء.
ومما يدلل بشكل واضح على وجود توافق أمريكي إسرائيلي على أن يتخذ نظام السيسي خطوات تفضي إلى تخفيف الأوضاع الاقتصادية المتدهور في القطاع حقيقة أن صحيفة «معاريف» كشفت النقاب عن أن الأمريكيين والإسرائيليين والمصريين يدرسون توسيع ميناء العريش، بحيث يكون بديلا عن مشروع تدشين الميناء العائم قبالة سواحل، غزة الذي يروج له كاتس ويدعمه جميع الوزراء الإسرائيليين باستثناء ليبرمان.
وقد لا يكون ما كشفته «معاريف» مفاجئا في ظل وجود الكثير من المؤشرات التي تدلل على أن سياسة نظام السيسي تجاه قطاع غزة تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية. فقد كان لافتا أنه لم يصدر أي رد من القاهرة على إعلان ليبرمان خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة «ميكور ريشون» قبل أسبوعين، التي أعلن فيها بشكل واضح وصريح بأن نظام السيسي يقوم بفتح معبر «رفح» أمام الغزيين بالتنسيق المسبق مع إسرائيل.
في الوقت ذاته، فإنه من غير المستبعد أن تستغل إدارة ترامب وحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب الاستغراق بحث المشاريع الهادفة للتخفيف عن قطاع غزة في إيجاد بيئة سياسية تسمح بتقليص أو احتواء الرفض للمبادرة الأمريكية للتسوية، والتي اصطلح على تسميتها «صفقة القرن».
وقد ترى واشنطن وتل أبيب أن إحداث الجلبة حول المشاريع الاقتصادية التي يفترض أن تخفف مظاهر الأزمة الاقتصادية في القطاع قد تقلص من هامش المناورة أمام حركات المقاومة وتدفعها لخفض وتيرة اعتراضها على الصفقة، بشكل يوفر بيئة فلسطينية داخلية قد تسمح لعباس بالنزول عن الشجرة والتعاطي مع الصفقة.
وفي حال كانت هذه بالفعل الرهانات الأمريكية والإسرائيلية، فإنها رهانات في غير مكانها. فحركات المقاومة، سيما حماس لا يمكنها إبداء أي تردد في رفض صفقة القرن لأنها (وجميع الفصائل) ترى في نجاح تمريرها تصفية مؤكدة للقضية الوطنية الفلسطينية، وهو ما يعني أن أي سلوك قد يفسر على أنه تعايش مع هذه الصفقة يعد انتحارا سياسيا لأي تشكيل فلسطيني، ولا سيما عندما يتعلق بالأمر بفصيل مقاوم.
السبيل 2018-02-12