هذه الفجوة بين المجتمعات والنخب!
كيف تنظر الأجيال والمجتمعات والطبقات اليوم إلى أوطانها والأنظمة والطبقات السياسية المهيمنة فيها، وكيف تنظر هذه الطبقات إلى بلادها ومجتمعاتها؟ لقد أظهر الربيع العربي فرقا هائلا في النظر إلى السلطة ومعناها بين النخب المهيمنة وبين المجتمعات والطبقات الأخرى على نحو يبعث على اليأس من إمكانية التفاهم أو بناء الحد الأدنى لعقد اجتماعي ينظم العلاقة بين السلطة والمجتمعات، ولا تقف هذه الفجوة في تعريف معنى السلطة وعلاقاتها، لكنها تظهر فارقا كبيرا في المرحلة الزمنية والمعرفية، ففي حين تعيش طبقات في عصور قديمة كان فيها الحكام والطبقات الحاكمة ينتمون إلى نسب أو حق إلهي بامتلاك الناس والمواطنين والبلاد كما تملك العقارات والمواشي والمزارع والأطيان؛ تعيش الأجيال والمجتمعات في فضاءات معرفية تواصلية تتجاوز مفاهيم السلطة والدولة الحديثة التقليدية (صارت تقليدية) والتي تأَكد أن الطبقات الحاكمة والمهيمنة لم تكتشفها بعد، لم تعرف بعد السلطات والنخب العربية القائمة عن الثورة الصناعية والمطبعة، فكيف يمكن إفهامها المعاني الجديدة للسلطة والمجتمعات والموارد وعلاقاتها المتشكلة حول الشبكية؟
النظام السياسي الذي يعتقد أن من حقه أن يبيد شعبه، أو يخاطبهم بالقول من أنتم؟ أو إنه لن يسمح بتكرار ما حدث، أو الحكومات التي تعفي البنوك والأغنياء من الضرائب وتلاحق الفقراء ومتوسطي الحال بالضرائب الهائلة أو التي تسلك في الإنفاق العام في اتجاهات ومحتوى منحاز لفئة وضد فئة أخرى هي الأغلبية، أو في التنظيم القانوني والإداري للانتخابات والمدن والمجتمعات ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني على النحو الذي يشتت المجتمعات ويضعف قدرتها على الولاية والتأثير والمشاركة، .. باختصار فإن السلطات العربية ما تزال تعتقد أن ما ينظم علاقتها بالمجتمعات هو الخوف، والخوف فقط، ولم تجد بعد غير الخوف والقهر أي معنى للدولة والمجتمعات والأمم والهويات والثقافة فضلا عن العولمة والمعاهدات والأنظمة والمواثيق الدولية، حتى عندما توقع على معاهدات لحقوق الإنسان والحريات وحظر التعذيب والنزاهة والحاكمية الرشيدة،.. الأعداد الهائلة للشباب الذين تخرجوا من الجامعات وانخرطوا في كل المهن النبيلة والمتقدمة مثل الطب والمحاماة والتعليم والهندسة، واطلعوا على الأخبار والمعارف والمهارات بلا حدود ليسوا في نظر الطبقات المهيمنة سوى مجاميع لا يقرأون ولا يكتبون ولا يملكون من أمرهم شيئا.
والفتى الذي يشارك في الشبكة مع جميع مراكز المعرفة والأسواق والألعاب والحوار في أي مكان في العالم، ويقرأ ويكتب عن الأحداث والقضايا الدولية والحضارة العالمية، ليس في مقدوره أن يسير على رصيف في الحي الذي يعيش فيه، أو يلعب مع زملائه في حديقة أو يذهبون معا إلى مكتبة عامة، لأنه وببساطة تخطط المدن والأحياء على نحو عدائي لا يرى فيها مواطنين يحق لهم أن يمشوا على رصيف أو يكون لهم في الحي الذي يعيشون فيه مدرسة أساسية وحديقة وناد ومكتبة!!
النخب العربية لا تعرف إلى أين وصلت بلادها ومواطنوها، والأجيال والمجتمعات لا تثق بقيادات اجتماعية وسياسية، وليس ثمة أفق للمستقبل سوى الفوضى.. والعناية الإلهية!!
الغد 2018-02-14