لاجئون في أوطانهم

تم نشره الخميس 15 شباط / فبراير 2018 01:17 صباحاً
لاجئون في أوطانهم
ماهر ابو طير

نزح الفلسطينيون، في العصر الحديث، كأول العرب، الذين خرجوا من ديارهم، بسبب الاحتلال الاسرائيلي، والكل يعرف ان لجوء الفلسطينيين او نزوحهم كان على مراحل، وبعض هذه الموجات كان داخل فلسطين ذاتها، وبعضها كان الى دول الجوار.
غير ان النزوح او اللجوء بسبب الاحتلال، لم يكن خاتمة المطاف، اذ ان الانسان العربي، توقع كل شيء، عدا ان تتجدد موجات النزوح واللجوء، لاعتبارات ليس لها علاقة بالاحتلالات، وهذا ماشهدناه في عدة دول عربية، خلال العقدين الفائتين حصرا.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يقول في مؤتمر الكويت لاعادة اعمار العراق، يوم امس الاربعاء، ان عدد النازحين العراقيين، وصل الى خمسة ملايين عراقي، تمكنت الحكومة العراقية، من اعادة نصف عددهم، ومايزال اكثر من مليوني ونصف المليون عراقي، نازحين داخل وطنهم.
الامر ذاته يتكرر في الازمة السورية، اذ ان اكثر من ثمانية ملايين سوري، نزحوا داخل سوريا، او خارجها، وعدد قليل جدا منهم عادوا الى مواقعهم الاساس، والامر ذاته ينطبق على اليمن، الذي هو اصلا محطة للنازحين من الصومال ودول اخرى، واذ بسكانه ذاتهم ينزحون.
دراسة تأثيرات اللجوء او النزوح لاعتبارات تختلف عن الاحتلال، امر يجب ان يخضع لمعايير مختلفة، اذ لايصح اعتبار ان اللجوء بسبب الاحتلال، مساو في التأثيرات للجوء بسبب الفتن الداخلية او الفتن المذهبية والصراع على السلطة وغير ذلك، والسبب في ذلك بسيط جدا، فاللجوء بسبب الاحتلال، يبقى اثره نفسيا اقل بسبب وجود عدو خارجي، من اللجوء بسبب صراع الداخل لاي سبب كان.
نحن امام ملايين العرب في اكثر من بلد، يتعرضون لتجربة سيئة جدا، اي اللجوء داخل الوطن ذاته، وتأثيرات ذلك على الشخصية البنيوية للاجيال الجديدة، التي تضطرب وتخاف من ابناء وطنها، لاعتبارات مختلفة، فيما اللجوء بسبب الاحتلال، قد يولد خوفا مؤقتا، لكنه في المحصلة ينتج شخصية صعبة وصلبة راغبة بالثأر من الاحتلال.
المشكلة الاخرى، تتعلق بعودة كل هذه الملايين الى ديارهم، فهي ليست مجرد شعار عاطفي، وعلينا ان نسأل عن مصدر الاف المليارات التي يحتاجها العالم العربي لاعادة اعمار العراق وسوريا واليمن وليبيا ومناطق اخرى، لان عودة المهجر او اللاجئ لايمكن ان تتم اذا لم تتوفر بيئة آمنة، وصالحة للحياة بالمعنى الامني والاقتصادي والاجتماعي.
بلد مثل العراق لديه ثروات بالاف المليارات، يبحث عن مساعدات اليوم، من اجل اعادة الاعمار، وبلد مثل سوريا، لم يكن مدينا لاحد في الداخل والخارج، سيواجه معضلة اعادة الاعمار لاحقا، وعلى مايبدو ان الامر سيتكرر في دول اخرى، غنية كانت او فقيرة، ومن المؤسف جدا، ان لاتجد بعض الدول الثرية مالا من مصادرها، وتبحث عن ممولين من عالم مفلس، ولديه اولويات اخرى.
خلاصة الكلام، ان كل معالجات مابعد النزوح او اللجوء، في الدول التي ابتليت بصراعات او بالارهاب او بالفوضى، او اي سبب آخر، لن تكون قادرة بهذه البساطة، على اعادة ترميم الحياة، واستعادة الناس الى بيوتهم ومناطقهم، وبهذا المعنى يقال اننا قد نتحدث عن ارقام اللاجئين، وارقام العائدين، وبينهما تتخفى الحقيقة الاكثر ايلاما، اي تدمير اللجوء والنزوح لشخصية الانسان، وكينونته، وانتاج اجيال خائفة في اوطانها، ولن تكون قادرة ببساطة ان تمحو اثار رحلة العذاب لكل فرد فيهم.

الدستور 2018-02-15



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات