لاجئون في أوطانهم
نزح الفلسطينيون، في العصر الحديث، كأول العرب، الذين خرجوا من ديارهم، بسبب الاحتلال الاسرائيلي، والكل يعرف ان لجوء الفلسطينيين او نزوحهم كان على مراحل، وبعض هذه الموجات كان داخل فلسطين ذاتها، وبعضها كان الى دول الجوار.
غير ان النزوح او اللجوء بسبب الاحتلال، لم يكن خاتمة المطاف، اذ ان الانسان العربي، توقع كل شيء، عدا ان تتجدد موجات النزوح واللجوء، لاعتبارات ليس لها علاقة بالاحتلالات، وهذا ماشهدناه في عدة دول عربية، خلال العقدين الفائتين حصرا.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يقول في مؤتمر الكويت لاعادة اعمار العراق، يوم امس الاربعاء، ان عدد النازحين العراقيين، وصل الى خمسة ملايين عراقي، تمكنت الحكومة العراقية، من اعادة نصف عددهم، ومايزال اكثر من مليوني ونصف المليون عراقي، نازحين داخل وطنهم.
الامر ذاته يتكرر في الازمة السورية، اذ ان اكثر من ثمانية ملايين سوري، نزحوا داخل سوريا، او خارجها، وعدد قليل جدا منهم عادوا الى مواقعهم الاساس، والامر ذاته ينطبق على اليمن، الذي هو اصلا محطة للنازحين من الصومال ودول اخرى، واذ بسكانه ذاتهم ينزحون.
دراسة تأثيرات اللجوء او النزوح لاعتبارات تختلف عن الاحتلال، امر يجب ان يخضع لمعايير مختلفة، اذ لايصح اعتبار ان اللجوء بسبب الاحتلال، مساو في التأثيرات للجوء بسبب الفتن الداخلية او الفتن المذهبية والصراع على السلطة وغير ذلك، والسبب في ذلك بسيط جدا، فاللجوء بسبب الاحتلال، يبقى اثره نفسيا اقل بسبب وجود عدو خارجي، من اللجوء بسبب صراع الداخل لاي سبب كان.
نحن امام ملايين العرب في اكثر من بلد، يتعرضون لتجربة سيئة جدا، اي اللجوء داخل الوطن ذاته، وتأثيرات ذلك على الشخصية البنيوية للاجيال الجديدة، التي تضطرب وتخاف من ابناء وطنها، لاعتبارات مختلفة، فيما اللجوء بسبب الاحتلال، قد يولد خوفا مؤقتا، لكنه في المحصلة ينتج شخصية صعبة وصلبة راغبة بالثأر من الاحتلال.
المشكلة الاخرى، تتعلق بعودة كل هذه الملايين الى ديارهم، فهي ليست مجرد شعار عاطفي، وعلينا ان نسأل عن مصدر الاف المليارات التي يحتاجها العالم العربي لاعادة اعمار العراق وسوريا واليمن وليبيا ومناطق اخرى، لان عودة المهجر او اللاجئ لايمكن ان تتم اذا لم تتوفر بيئة آمنة، وصالحة للحياة بالمعنى الامني والاقتصادي والاجتماعي.
بلد مثل العراق لديه ثروات بالاف المليارات، يبحث عن مساعدات اليوم، من اجل اعادة الاعمار، وبلد مثل سوريا، لم يكن مدينا لاحد في الداخل والخارج، سيواجه معضلة اعادة الاعمار لاحقا، وعلى مايبدو ان الامر سيتكرر في دول اخرى، غنية كانت او فقيرة، ومن المؤسف جدا، ان لاتجد بعض الدول الثرية مالا من مصادرها، وتبحث عن ممولين من عالم مفلس، ولديه اولويات اخرى.
خلاصة الكلام، ان كل معالجات مابعد النزوح او اللجوء، في الدول التي ابتليت بصراعات او بالارهاب او بالفوضى، او اي سبب آخر، لن تكون قادرة بهذه البساطة، على اعادة ترميم الحياة، واستعادة الناس الى بيوتهم ومناطقهم، وبهذا المعنى يقال اننا قد نتحدث عن ارقام اللاجئين، وارقام العائدين، وبينهما تتخفى الحقيقة الاكثر ايلاما، اي تدمير اللجوء والنزوح لشخصية الانسان، وكينونته، وانتاج اجيال خائفة في اوطانها، ولن تكون قادرة ببساطة ان تمحو اثار رحلة العذاب لكل فرد فيهم.
الدستور 2018-02-15