الخط الأحمر عند الرئيس
لم تنجح إطلالة الرئيس الأخيرة في تغيير شيء بل هي زودت جمهور المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي بمادة اضافية للسخرية اللاذعة، والمشكلة ليست في قدرة الرئيس البيانية والبلاغية لإيصال الرسالة بل في الرسالة نفسها التي أعادت تأكيد ما تقوله الحكومات باستمرار لتبرير إجراءاتها برفع الضرائب والرسوم على السلع والخدمات.
إحدى محطات الذروة البيانية في مقابلة الرئيس مع التلفزيون الأردني هي توصيف الموقف بأننا نمر في عنق الزجاجة. والناس تعاملت مع هذا القول كادعاء مكرور لم تتعاطف معه بل حظي بأكبر عدد من التعليقات الساخرة، وهو بالمناسبة لا يستخدم لأول مرة وقد سبق وتم استخدام تعبيرات أشدّ وقعا وفي ظروف أقل سوءا مثل "الاقتصاد في غرفة الانعاش". أما الموقف البطولي بتحمل مسؤولية التركة الثقيلة من حكومات سابقة وعدم ترحيل الاجراءات كسبا للشعبية بل الإقدام عليها مهما كان الأثر سيئا على شعبية الحكومة فهو لم يحقق أي تعاطف وللتذكير فإن الرئيس النسور ظلّ يردده بلا انقطاع طوال ولايته!
والذروة الثانية عندما أعلن الرئيس بحزم أن السياسة المالية هي خط أحمر، فسأله المقدم بفضول عما هو الخط الأحمر فكرر أنه السياسة المالية وفاتت الفرصة لجذب الجمهور العريض الى معنى هذا الموقف الذي يفترض أنه ذروة الشجاعة المبدئية والمسؤولية الوطنية في ممارسة الحكم. ما تم اإفهامه للجمهور أن هذه السياسة تمنع انهيار سعر الدينار وتحافظ على قيمة المدخرات والأجور والثقة بالعملة.. الخ. لكن هل هناك سياسة وحيدة فقط هي التي تنتهجها الحكومة وتؤدي هذا الغرض؟! طبعا لا أحد يقبل أو يريد انهيار الدينار لكن سياسة الحكومة النقدية هي ايضا خلافية وليس بالضرورة انه لا وجود لبدائل في بعض مفاصلها. لقد كان خطاب الرئيس دفاعيا مكرورا ولو تم الرجوع الى خطاب كل حكومة في كل مناسبة قررت فيها رفع الدعم او رفع الاسعار لوجدناها نسخة مكرورة عما يقال الآن..
نعم هناك خط أحمر نوافق الرئيس عليه لكن النقاش هو حول الخيارات التي تبقينا بعيدة عنه! هل يوجد فقط السياسة الحكومية أم هناك بدائل؟! هذا هو الموضوع الذي لم يدخل اليه الرئيس مفترضا اننا أمام خيارين إما اجراءات الحكومة أو الذهاب الى الهاوية. لم يناقش الرئيس ولم يفند آراء أخرى ليقنع الجمهور بموقفه. والرئيس كان صادقا وصريحا وأراد ان يبقى كذلك طوال الوقت لكن قوة الإقناع غابت لأنه اعاد نفس الحجج التي تكررها الحكومات التي مشت على نفس النهج وهو من وجهة نظرنا نهج طبقي يحابي الفئات الميسورة ويعوّم ثمن الأزمة على الشعب كله بدل توزيع حصة اكبر من العبء على من يملك أكثر وهو ما تحققه ضريبة الدخل وليس ضريبة المبيعات.
لو حصلت الحكومة من الدخول العالية وأصحاب الثروات ما يتوجب عليهم وبنفس النسب التي يتم تحصيلها في الدول الرأسمالية المتقدمة لحصلت الخزينة مبلغا يناهز أربعة اضعاف ما تحصله من رفع ضريبة المبيعات على عامة الشعب، وهذا ليس كلاما مجانيا بل يمكن إثباته بالنسب والأرقام وقد أشرنا لبعضها في مقالات سابقة. والرئيس عرج على قانون ضريبة الدخل وألمح لتعديلات توسع قاعدة الضريبة وزيادة العقوبات على التهرب لكنه لم يشر الى ما هو أهم لتحقيق الهدف الذي ذكرناه أعلاه وهو ما سنتحدث عنه في حينه.
الغد 2018-02-16