سنغافورة نموذج اقتصادي يحتذى به في الأردن
تعتبر سنغافورة من البلدان الصغيرة في العالم من حيث المساحة والسكان وتبلغ مساحة سنغافورة 719 كم مربع وعدد سكانها 5.6 ملايين نسمة، ولكن ناتجها المحلي الإجمالي 534.4 مليار دولار وبمعدل دخل الفرد السنوي فيها 93678 دولارا وهو من أعلى دخول الأفراد في العالم.
تمتاز سنغافورة بتنوع سكانها الذين يتكونون من أصول صينية 74.3% ومن أصول ماليزية 13.3% ومن أصول هندية 9.1% وآخرون بنسبة 3.3% يدينون بعدة ديانات منها البوذية بنسبة 33.2% ومسيحيون بنسبة 18.8% ومسلمون بنسبة 14% ولا دينيون بنسبة 18% وهندوس بنسبة 5% وآخرون.
كما تتميز سنغافورة بارتفاع معامل جيني (Gini Coefficient ) في العدالة في توزيع الدخل بين سكان بمعدل 46.4 نقطة وهي من أفضل عشر دول في مكافحة الفساد، وأهل سنغافورة يقدسون العمل ويعتبرون من ذوي الإنتاجية العالية ومعدل البطالة في سنغافورة لا يتجاوز 1.8% وهو من أقل معدلات البطالة في العالم ومستوى الفقر فيها منخفض جدا على المستوى العالمي.
تتمتع سنغافورة بأعلى مستوى صحي ومستوى التعليم فيها من أعلى المستويات في العالم وتستضيف أكثر من 80 الف طالب أجنبي وتعتبر من أرقى المراكز المالية في العالم واحتلت المرتبة الثالثة في العالم من حيث التنافسية (Competitiveness) وترتيبها في مستوى التكنولوجيا الثالث في العالم ويقبل عليها السياح من جميع أنحاء العالم.
يترأس سنغافورة السيدة حليمة يعقوب وهي مسلمة ويتولى رئيس الوزراء السيد لي حسين لونج ويسود فيها الحزب الحاكم منذ نيلها الاستقلال من بريطانيا في بداية الستينيات من القرن الماضي.
هناك صفات مشتركة بين سنغافورة والأردن؛ كون البلدين صغيرين من حيث المساحة والسكان وفقرهما في الموارد الطبيعية، ولكن سنغافورة تتفوق على الأردن من حيث الإنتاجية العالية للعمالة والابتكار الذي يعد الأعلى في سنغافورة وتفوق سنغافورة على الأردن من حيث مستوى جودة التعليم وعدد براءات الاختراع ومن المركز المالي العالمي ودخل الفرد المرتفع في سنغافورة.
عقد فيليب Philip Yee رئيس مجلس التنمية في سنغافورة مؤتمرا في المركز الثقافي الملكي في عمان بتاريخ 12-2-2018 وعنوان اللقاء «الابتكار من الفكرة الى النجاح: قصة سنغافورة» بدعوة من مؤسسة شومان وحضرها عدد كبير من المسؤولين الحاليين والسابقين ومتخصصين من القطاع الخاص في شتى القطاعات وقد تحدث فيها عن مسيرة الابتكار في سنغافورة التي بدأت بإقامة المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وتأسيس حاضنات الأعمال «Incubators « وتقديم الدعم المالي والفني للمشاريع الرائدة واستقطاب الشباب الواعد وإرسالهم في بعثات الى أمريكا واليابان والمانيا وفرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية والصين.
وكان لي شرف حضور اللقاء الحواري مع خبير التنمية السنغافوري فيليب يي واستطعت الخروج بعدد من الدروس والتوصيات حول نجاح التجربة السنغافورية في ىالابتكار والتنمية المستدامة التي يمكن إيجازها بما يلي:
1- الابتكار يبدأ من فكرة يتم استغلالها ورعايتها من قبل حاضنات الأعمال ليتم تحويلها الى مشروع منتج صناعي او تجاري او خدمي.
2- الانفتاح الاقتصادي على دول العالم المختلفة يعتبر ركيزة لتوسيع التبادل الاقتصادي والتجاري.
3- التحول من الاقتصاد التقليدي الى الاقتصاد المبني على المعرفة Knowledge- Based Economy» كان طريق سنغافورة في تحقيق الابتكار والتنمية المستدامة.
4- حولت القيادة في سنغافورة التنوع السكاني الى فضيلة كبرى بينما بلداننا العربية تعتبر التنوع السكاني مصيبة ومعيار التفرقة والصراع بين فئات المجتمع وانظر ما حصل في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية بسبب الصراعات بين فئات الشعب المختلفة. وانظر كيف استفاد بلد مثل الولايات المتحدة من التنوع السكاني فيها في خلق الابتكار والاختراع والتكنولوجيا.
5- مكافحة الفساد هو الركن الأساسي في تحقيق التنمية المستدامة، وكون سنغافورة من أقل البلدان في العالم فسادا؛ فقد استطاعت سنغافورة التربع على عرش النمو والثروة ومستوى المعيشة المرتفع، والتقدم والازدهار، والدرس المفيد من تجربة سنغافورة «لا تنمية مستدامة مع الفساد».
6- القيود الفكرية والثقافية على الأفراد عقبة في طريق التنمية المستدامة والابتكار. حرية الرأي والتفكير خارج الصندوق هي السبيل الى الابتكار والاختراع كما هو الحال في سنغافورة.
7- النخب «Elites « في سنغافورة يتم اختيارهم على أساس تفوقهم العلمي والبحثي ومخترعاتهم ومساهماتهم في التقدم التكنولوجي ولا مكان للواسطة والمحسوبية.
8- العمل وليس الشعارات ولا الولاءات الشخصية هو الطريق للتنمية والابتكار.
نطالب الجهات المعنية بالابتكار والتنمية المستدامة في الأردن الاستفادة من تجربة سنغافورة في الابتكار والتنمية المستدامة من خلال تأسيس حاضنات الأعمال التقنية والتكنولوجية وتبني الأفكار الإبداعية ورعايتها وتحويلها الى مشاريع منتجة والتحول من الاقتصاد التقليدي الى اقتصاد المعرفة والتركيز على العمل والإنتاجية والاستفادة من التنوع العرقي والثقافي في الساحة الأردنية ليعمل الجميع في تناغم وانسجام والابتعاد عن الواسطة والمحسوبية والحد من الفساد المالي والإداري والعمل على حرية الفكر وتشجيع التفكير خارج الصندوق.
السبيل 2018-02-18