ظاهرة صوتية
قبل اختراع البارود كان صوت دق النجر(المهباش) هو الذي يجمع الناس لأفراحهم وأتراحهم، وهو الذي يعلن عن تجمعهم في مناسباتهم، فالمظلوم أو المفزوع أو الفرحان كان يدق مهباشه؛ ليلف الناس إليه، ورغم أن المهباش صار من مقتنيات المتحف، إلا أننا ما زلنا نتمسك بفلسفته.
ولهذا فظاهرة إطلاق العيارات النارية، ربما جاءت بشكل لا إرادي نتيجة شغفنا بالصوت وتبعياته ومراميه ونغماته، ففي غالب أمرنا يحلو لنا أن نكون ظاهرة صوتية خارقة للمتوقع والمألوف، فعدا عن تمترس بعضنا خلف القاعدة الإستراتيجية والتكتيكية(خذوهم بالصوت)، فإننا ما زلنا نمعن بتكرار ماضينا التليد بقوالب جديدة مثيرة للدهشة أو للشفقة!.
ففاردة كل عروس حتى لو زفت من فندق مائة نجمة، لن تخلو من جوقة الزوامير والهوامير التي نطلقها كحرب ضروس تصل عنان السماء وكأننا نريد أن نفرغ ما في أنفسنا من التنفيس، فقديما كان الحصول على عروس يمثل فتحاً مبيناً وانتصارا أوصيداً جديداً، وكل هذا لا بد ويحتاج إلى إعلان للبهجة بالصوت، ولهذا ففي جيناتنا الداخلية وفي خلايانا ما تزال تعشش هذه النزعة أوالنزوة، فلا بد أن نزغرد ونزمجر ونزمر، فالعروس ليست إلا صيدا بهيجا!.
ولأننا سادة في تزجية وتبديد الوقت وحرقه وترميده، ولهذا ترانا نمعن في امتصاص أنساغه حتى عند الإشارات الضوئية!، ولا نتوانى عن التعبير عن غضبنا وحنقنا من تبديد ولو جزء يسير من الثانية، فنحتج بعصبية وتجهم على ذلك بشكل صوتي، فويل للسائق الذي أمامنا إذا تأخر عن الإنطلاق نصف ثانية أو أدنى، فستزفه الشتائم العابرة للشبابيك، وستحفه الزوامير من كل صوب ونوع، وستصفه في أدنى وصائفها بالمتخلف!.
وما يؤكد أننا ظاهرة صوتية فريدة من نوعها في الأرض، ليس استخدامنا لزوامير السيارات لتعبير عن فرحنا، بل صرنا الشعب الوحيد في العالم الذي يطلق الألعاب النارية نهاراً؛ ليستمتع بصوتها المفرقع فقط، مستغنياً عن جانبها الضوئي البهيج الذي يسر الناظرين ويمتعهم، وهذا ما كان صباح أمس بعد إعلان نتائج الثانوية العامة!.
الضوء يستطيع أن يلف الكرة الأرضية سبع مرات بالثانية الواحدة، ولا شيء أسرع منه في الوجود، والبرق والرعد يحدثان في ذات اللحظة، ولكننا نرى البرق ثم وبعد فترة بعيدة يشرف الرعد ليقرع أسماعنا، وكذلك الشعوب وسرعاتها، فمنها من هو ضوء يتقدم نحو علاه، فيما آخرون ما زالوا يحبون بأدنى من سرعة الصوت، في عالم ضوئي لا يؤمن إلا بسرعة الضوء، ويبحث عمّا هو أسرع!.
الدستور 2018-02-18