الأردن وإعمار العراق
إلى هذا الوقت لا توجد مؤشرات واضحة تدل على ان الأردن لديه فرصة مميزة للمساهمة في جهود إعمار العراق تتفق مع موقعه الجغرافي وإمكانياته البشرية وعلاقاته التاريخية، على الرغم من التحسن الكبير الذي شهدته العلاقات بين البلدين في المرحلة الاخيرة واعادة افتتاح معبر طريبيل الحيوي، فثمة عمل سياسي وعلى مستويات متعددة كان من المفترض ان ينجز منذ فترة مبكرة، ولكنه بقي في دائرة الغموض والتردد، فالجميع يعرفون خريطة صنع القرارات الاستراتيجية في العراق اليوم، وهناك دول عديدة في المنطقة استطاعت بناء معادلاتها السياسية وتكيفت مع هذه الاوضاع.
مؤتمر إعمار العراق الذي استضافته الكويت الاسبوع الماضي وبمشاركة 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية و 51 من الصناديق التنموية ومؤسسات مالية إقليمية ودولية استطاع ان يوفر 30 مليار دولار، وستكون هذه المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تقدم للعراق من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب، ما يعني عمليا ان ورشة اقتصادية كبرى سيدور رحاها جوارنا قريبا مع بدء استعادة العراق لعافيته الامنية والسياسية، حيث يبدو ان عملية اعمار عشرات المدن والمرافق والبنى التحتية التي تأجلت بسبب الظروف الامنية ستبدأ قريبا.
محليا، لم يتوقف الحديث عن امكانيات وآفاق المساهمة الأردنية في عملية الاعمار، والجميع يعرفون ان الأردن يمكنه ان يوفر خدمات مهمة في هذه العملية أبرزها خدمات لوجستية في النقل والتوريد وخبرات في مجالات الصحة والاسكان والتعليم والمطارات والصرف الصحي والبنى التحتية. علاوة على المليارات التي التزم بها المجتمع الدولي فمن المتوقع ان تضخ الحكومة العراقية خلال السنوات الخمس القادمة مئات الملايين من الدولارات ما يجعل العراق مؤهلا ان يشهد اكبر عملية إعمار في العالم بعد عمليات إعمار ما بعد الحرب العالمية الثانية.
في الأردن ما نزال نردد الكلام الطيب عن العلاقات بين الاشقاء، دون افعال على الارض في السياسة أو الاقتصاد وحتى في الحديث؛ فالحكومة تتكلم مع رجال اعمال عراقيين مقيمين في عمان اكثر مما تتكلم مع الحكومة العراقية، وبعض رجال أعمال عمان أولئك لا يتكلمون اصلا مع حكومتهم في بغداد. لا شك ان العام الماضي قد شهد تطورات مهمة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين سواء في موضوع انبوب النفط او اعادة فتح معبر طريبيل ولكن بقي نمو العلاقات الاقتصادية يسير ببطء.
الأردن الرسمي مطالب اليوم ان يؤكد أن خياراته السياسية مستقلة وتقررها المصالح الوطنية الأردنية وان هذا البلد لديه خبرة طويلة في احترام الفرقاء كافة في المنطقة وان حجمه اكبر من ان يدخل جيب احد. الحذر السياسي الاردني في هذا الملف غير مبرر احيانا، هناك تحديات متنوعة ومتعددة في طريق استعادة قوة هذه العلاقات تبدأ من الظروف الامنية والارهاب وصولا الى وجود اطراف داخل العراق وفي الاقليم لا ترغب بازدهار العلاقات بين البلدين، ولكن الرهان الحقيقي على نمط من العقلانية السياسية الذي بات يتنامى بين العاصمتين يمنح الأولوية للمصالح المشتركة واستحقاقات الجغرافيا.
الغد 2018-02-18