الغوطة وصمة عار
لا أحد وقف أو يقف على قدم واحدة منتظراً قراراً أكتع أعرج من مجلس أمن طريح كسيح يطلب وقف إطلاق النار في غوطة دمشق، فهذا هذر زمني وحمق أبدي وفشل إنساني. وكأن الأطفال والمدنيين الذين انعجنوا وثردوا وسحقوا مع ركام بيوتهم يطلقون نارا وبراميل وصواريخ سكود على طاغية الشام وزبانيته. وكأن الأمر ندٌ لند.
فأي عالم بليد متلبد المشاعر متجمد الأحاسيس يراقب ولا يعاقب، يكابر بالمحسوس ويقص أثر المكشوف المعروف الموصوف. عالم (مزعبر) منافق مخاتل قد يأبه بقطة صغيرة حُشرت يدها في دورق زجاجي، فيقيم الدنيا ولا يقعدها حتى تخرج سليمة، ولكنه غض ويغض الطرف عن ملايين من البشر سحقوا وشردوا وأكلتهم المنافي والمخيمات والسجون. فلا أحد وقف مع الدم السوري أو سعى لوقفه. بل تركوا طاغية معتوها مجنونا يحرقهم بجحيمه.
الغوطة وصمة عار في جبين عالمكم أيها الأشرار الفجار. وصمة عار ليست فقط في جبين الطاغية ومن يسانده ويهادنه ويخاتله، الغوطة مقياس حقيقي لمعرفة مدى رخص الدم البشري وعلو أثمان المصالح السياسية ومناطق النفوذ.
فالعالم لم يسع يوما لوقف هذه الشلال الدموي بشكل حقيقي. لم يتخذ قرارا لردع طاغية الشام، الذي جعل من سوريا طاولة قمار وتصفية حسابات وحروبا بالوكالة وتصارع المصالح. وتتم على حساب دماء أهلها كل التفاهمات. عالم سافل تديره المصالح واالسياسات، ولم يلتفت يوما لحرمة دم إنسان.
ربما بات على الشهداء أن يلملموا أشلاءهم، ويرفعوا وجوههم رايات بيضاء اعتذاراً من مقام السيد الأبد؟. أم على المشردين في أصقاع المنافي أن (يبوسوا) التوبة سبع مرت؛ لأنهم جرؤوا ذات يوم وقالوا (لا) لهذا الأسد؟ أم سيبقى على الحق أن يرخي رأسه خجلاً، وينخرط في موجه بكاء عارمة ندماً لأنه أراد مقارعة براثن الباطل؟
لكن لا. لم يحدث أبدا أن وصلت شجرة الباطل إلى عنان السماء. ثم من قال إن للحق ضربة لازب أن ينتصر على الباطل من أولى جولته؟ من قال إن انتصار الباطل أزمنة مديدة يصبغ عليه ملحة حق، أو يمسح عنه طغمة قتل وسواد ظلم؟ أو يجعل منه حقاً مهما ساد في عرض البلاد وطولها؟.
بل من قال إن الطغاة لا يمكنهم أن يخمدوا ثورة قامت ضدهم؟ وأن يعودوا إلى عروشهم بعد أن يشردوا أهلها؟ فهذا معروف بأفق الإنسانية وعمقها، فلا عجب أن يرتقي الباطل على جثة حق أزهقه.
لم تمر ثورة في العالم بما مرت به الثورة السورية من اختطافات وامتطاءات وخروقات. بدأت سليمة حتى بعد أن قمعها الطاغية بالرصاص. ثم شيطنها وأوغل في الاستبداد، حتى غدت البلاد مستنقعاً لكل جراثيم الإرهاب وخبائثه. وغدت محرقة بشرية لا تقدر على رسمها الكلمات والبيانات أو القرارات.
الدستور 2018-02-25