من «الاعتمادية» إلى «الاعتماد على الذات»

تم نشره الخميس 01st آذار / مارس 2018 12:19 صباحاً
من «الاعتمادية» إلى «الاعتماد على الذات»
عريب الرنتاوي

يتعين على الحكومة بذل مزيد من الجهد لشرح وتوضيح «استراتيجيتها» للانتقال بالبلاد من إسار «الاعتمادية» الراهنة إلى فضاء «الاعتماد على الذات» ... يوم أمس، حاور الوزير عماد الفاخوري جمعاً من الخبراء والنواب والإعلاميين ورجال أعمال والأحزاب والمجتمع المدني، في ورشة حملت عنوان هذه المقالة، وبدا الرجل متمكناً من جميع «ملفاته»، ولم يبق سؤالاً من دون أن يجيب عليه، وبتوسع وحماسة ظاهرين، الأمر الذي أثار احترام المشاركين، بمن فيهم من اختلفوا معه في الرأي والفكرة، وشجع قطاعاً واسعاً منهم على طلب المزيد من هذه اللقاءات، وبمشاركةٍ أوسع من وزراء الحكومة ومسؤوليها في مختلف الاختصاصات، فقنوات التواصل والحوار بين الحكومة والرأي العام، ليست سالكة تماماً، وبانسدادها تتعمق فجوة الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته، وتلكم ليست أفضل «وصفة» يمكن الركون إليها، سيما في هذا الوضع المتفجر من حولنا، وما يعتمل في «دواخلنا» من مشكلات وتحديات.
الدكتور جواد العناني، كعادته دوماً، جمع بين السياسة والاقتصاد، وقدم مفهوماً لـ «الاعتمادية» لحظ جوانبها السياسية والاستراتيجية، مع أن الوزير الفاخوري، كان عرض لمعايير «الاعتماد على الذات»، وحدد ملامح المفهوم من وجهة نظره، التي هي وجهة نظر عابرة للحكومات في الغالب الأعم، كونه تنقل بين مواقع مهمة ومسؤولة في إدارة الملف الاقتصادي وتولي المسؤولية عن جوانب عديدة منه.
خلاصة القول: إن قنوات الحوار بين المسؤول والمواطن، ليست مفتوحة بالاتجاهين، وهذه وضعية لا يجوز الاستمرار بها، بأي حال من الأحوال، لم تخسر الحكومة شيئاً بتكليف الوزير الفاخوري المشاركة في الورشة، بل ربحت الشيء الكثير، على الأقل بدا أن هناك فهماً أفضل، وربما «تفهماً» أكثر جدية، للخطاب الحكومي، حتى وإن ظل التباين والخلاف، قائمين.
والحكومة معنية بتوسيع وتنويع قنوات التواصل والحوار، والانتقال به عبر القطاعات والمحافظات والفئات الشعبية والاجتماعية، فلا يمكن للسياسة الاقتصادية وما رافقها وصاحبها، من إجراءات قاسية على جيوب المواطنين، أن تمر بأقل قدر من الكلفة، من دون ردم فجوة الثقة، والاستعانة بفهم الجمهور وتفهمه، وصولاً إلى بناء التفاهمات والتوافقات الوطنية الأوسع والأعرض، وطالما أن المواطن هو «المانح» الرئيس للموازنة العامة للدولة، وبنسبة تفوق بعشرة أضعاف، كل ما يردنا من مساعدات وقروض وتسهيلات، فإن من المنطقي أن نعود للمواطن لاستشارته فيما نفعله أو ننوي فعله، مثلما نفعل باهتمام وانتظام مع مجتمع المانحين الإقليميين والدوليين.
وعلى الحكومة ألا تستسهل «حالة الإنكار» أو تقع فيها، وأن تستشعر القلق المتأتي عن غضب المواطنين وضيقهم بسياساتها وإجراءاتها، فهؤلاء ظهورهم إلى جدار، والإجراءات تمس صميم احتياجاتهم اليومية كحليب أطفالهم وقوت عائلاتهم ... ولا يجوز بحال الركون من دون تحفظ، إلى انضباط المواطن الأردني ووعيه وحرصه على أمن بلده واستقراره، وخشيته من الانزلاق إلى أتون فوضى لا يرغب بها أحد، وليس لأحد منّا مصلحة فيها، يتعين البناء على كل هذا وذاك، للوصول إلى درجة أعلى من التفاهم والتوافق، والطريق الوحيد لذلك، هو التواصل والحوار.
لقد كنّا بالأمس، أمام «بروفة» تصلح أن توصف بأنها «مقطع عامودي» لأي حوار وطني حول العناوين المشار إليها ... تمثلت الحكومة ومختلف شرائح المجتمع الأردني تقريباً، وكان حواراً حضارياً، تكشف عن وجهات نظر ومدارس عديدة، يمكن التوفيق بينها والتجسير بين مقاربتها ... فهناك من كان مشدوداً للمعالجة الفورية لأزمة العجز والمديونية، ولديه ما يقترحه من أدوات مالية ونقدية لفعل ذلك، ويمكن فهم ذلك إلى حد معين، وهناك من كان مشدوداً للمعالجة متوسطة وبعيدة المدى، وقدم مداخلات تنتمي إلى المدرسة الاقتصادية – التنموية، وهناك من سعى في خلق المزاوجة بين المدرستين والاحتياجين، وسعى في نسج ملاح خطة خلاص وطني، يعرف كل فريق منّا، دوره فيها على اكمل وجه.
الأردنيون الغاضبون من قرار رفع الدعم والضرائب، ضاقوا ذرعاً بحالة «الاعتمادية» التي تعتصر بلادهم، ومن استمع إلى شعارات التظاهرات الأخيرة وخطاباتها، تلمس هذه الظاهرة بكل الوضوح ... وهم يتطلعون، حتى وهم في ذروة غضبهم، لمرحلة يبلغ فيها الأردن، «سن الفطام» عن مجتمع المانحين، فثمة جرعة من الكرامة والكبرياء، يمكن البناء عليها لاجتراح استراتيجية الاعتماد على الذات.
يتعين على الدولة بكل مؤسساتها، أن تستنهض حواراً وطنياً جامعاً، يعيد الثقة للأردنيين بمؤسساتهم، وبالعملية السياسية الجارية في بلدهم، تجسيراً للفجوة، وتوطئة لتوزيع أعباء الاستراتيجية الاعتماد على الذات، والأهم من كل هذا وذاك وتلك، تعزيز قناعة المواطنين بأننا سائرون على هذا الطريق، من دون هوادة، وأننا لسنا أمام «فزعة» أخرى، من تلك التي اعتدنا عليها.

الدستور 2018-03-01



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات