«المرحوم يبلغك التحية»!
1-
يحتفظ موقع «فيسبوك» بسجلات لكل من يسجل فيه، وهو يعرف عنا في العموم أكثر بكثير مما نعرف عن أنفسنا، فهو يرصد أمزجتنا ومشاركاتنا، وأحوالنا التي نكتبها على جدرانه، ولهذا يرشح لنا طلب صداقات خاصة تتفق مع ما نكتبه، وما نميل إليه، بل إنه يضع على صفحاتنا إعلانات يتوقع أن تثير اهتمامنا من حيث السن والهوايات والبلد الذي نعيش فيه، قرأت يوما نصا لأحد الخبراء في هذا المجال، يقول فيه: «فور تشغيل حسابي الجديد على موقع الفيسبوك للتواصل الاجتماعي بدأت إدارة الموقع تلح في ترشيح أسماء محسوبة بدقة معلوماتية متناهية لصداقتي، مثل جميع السيدات اللواتي ربطتني بهن علاقات علنية أو سرية ذات طابع خاص في مراحل الشباب والصبا من عمري وأصحاب المحلات التجارية والخدمية المجاورة لمنزلي والذين أتعامل معهم حصرياً دون غيرهم من أصحاب المحلات الأخرى، ومثل الطبيب الذي سبق أن أجرى لي قبل عامين كاملين جراحة جهاز هضمي فاشلة داخل أحد المستشفيات العامة مع أخصائي العلاج الطبيعي الذي ساعدني على استعادة حركتي بعد الجراحة، إلى جانب أشخاص بعينهم من زملاء العمل الذين كانوا قد تابعوني أو شاركوني أو عملوا معي كرفاق خلال سابق تأديتي لمهامي المعلوماتية الخارجية ذات الطابع السري للغاية، بالإضافة إلى أشخاص بعينهم من قادة وكوادر العمل العام العرب والأجانب الذي سبق لهم أن شاركوني كرفاق مسيرة سياسية اتسمت بالطابع السري للغاية.
-2-
كل هذا وأكثر، يا فيسبوك، ورغم هذا وقعت مرة ضحية سجلاته وتذكيراته الخاصة بأعياد ميلاد الأصدقاء المفترضين، حيث ذكّرني كما هي العادة بأعياد ميلاد أصدقائي، ورغم حرصي على التواصل مع من يتواصل معي عادة، إلا أنني أرسلت رسالة تهنئة بعيد ميلاد صديق كان يتواصل معي في زمن ما، ثم انقطع، ولم أتابع ما الذي حصل معه، لأفاجأ برسالة من شقيقته تقول لي أن «المرحوم يبلغك التحية» ويشكرك على تهنئته بعيد ميلاده، فذبت في ملابسي خجلا، وقدمت لها تعازيّ المتأخرة، وأسررت في نفسي أن لا أهنىء أحدا بعيد ميلاده ما لم أكن متأكدا أنه على قيد الحياة!
ومثل هذا أو قريب منه، حين يذكّرك الفيسبوك بتهنئة عزيز لك بعيد ميلاده، رحل عن هذه الدنيا الفانية، منذ زمن بعيد، أو حين تراجع سجل رسائلك فتقرأ ما كان كتبه هذا العزيز الراحل، طالبا أن تضيفه إلى قائمة الأصدقاء!
-3-
وفق بعض التقديرات، فإن فيسبوك «مقبرة» لما يقدر بـ 50 مليون شخص، مع وفاة 3 ملايين (على الأقل) من مستخدمي الموقع الاجتماعي سنويا. وهو بهذا أكبر مقبرة على وجه الأرض، ولكن بشواهد رقمية!
وللمسألة جانب آخر، له طابع قانوني، فهل ينبغي السماح لأفراد الأسرة بالوصول إلى سجلات دردشة أحبائهم وصورهم الخاصة بعد موتهم؟ فقد سبق وأن طُرحت قضية في محكمة بالعاصمة الألمانية برلين، تقضي بالسماح لوالدي فتاة متوفاة عمرها 15 عاما، بالاطلاع على رسائلها في فيسبوك، بغرض معرفة سبب الوفاة. ولكن قضت المحكمة لصالح فيسبوك، قائلة إن الورثة ليس لديهم الحق في قراءة رسائل الأقارب المتوفين على الموقع الاجتماعي، ولعل هذا من حسن الحظ، تخيلوا ماذا سيحصل لو فتحنا ملفات وأنشطة أحبائنا المتوفين على الفيسبوك!
الدستور 2018-03-02