حمام الأوسكار وذهبه
سأطير معكم إلى لوس أنجلوس، على جناح مقولة ذم الفشخرة الزائدة:(اللي معاه حمام ومحيرهُ، يشتري حمام ويطيرهُ)، فلربما نشهد جانباً من حفل جوائز الأوسكار للأفلام مساء اليوم، ونمد عيوننا مع السجاد الأحمر، ونلتقط بريق ذهب سيذهب هدرا في مصارف المياه السوداء.
أتوقع فوز الفيلم الحربي (دونكيرك) للمخرج كريستوفر نولان، ليس لأنه حقق إيرادات نافت عن النصف مليار دولار من شباك التذاكر، بل لأن المزاج العالمي بات حربياً جنونياً دموياً في كثير من زواياه.
من خبايا حفل الليلة أن نجوم هوليوود سيتناولون عشاء من طهي الشيف العالمي (فولفغانغ بك)، الذي سيستعين بما لا يقل عن 13 كيلوغراما من مسحوق الذهب القابل للأكل في اعداد أطباقه الباذخة.
وبما أن الذهب صار يؤكل، فقد راحت على ميداس، الذي مات بأذني حمار. فكما جاء في الأسطورة اليونانية، أنه كان يحب الذهب حبا جما، ولا يشبع منه أو يقنع، ولا يستمري فكرة أن غيره يمتلك ذهباً.
ولهذا سخط على الشمس؛ فهي مبذرة تمنح أشعتها الذهبية لكل الناس، ولا تفرق بين غني وفقير. وحسب الأسطورة قررت الأسياد، أن توقع بميداس عقوبة يستحقها، فمنحته أمنية يتمناها، فتمنى أن يتحول كل شيء يلمسه إلى ذهب خالص.
في الحديقة فرح ميداس بعد أن لمس الوردة فتحولت إلى ذهب يلمع، وغير بعيد كانت طفلته الوحيدة تلهو، فلما رأته مقبلاً هرعت إليه، ففرد ذراعيه لاحتضانها؛ فتحولت إلى تمثال ذهبي.
وعندما هصره الجوع، أخذ كسرة خبز، فتحولت إلى ذهب، فسحب اللقمة ورماها بحسرة، وهكذا كانت حاله مع التفاح، والخوخ. وهنا طلب ميداس الصفح، لكن الآسياد لم يغفروا له، إلا بعد أن منحوه أذني حمار جزاء لأمنيته الغبية.
لن ينبت لمترفي عالمنا الباذخ آذان حمار، ولن يصفهم أحد بالحمق أو الجشع أو حتى الغباء، لأننا في عالم شره أكول جهول. ألم نسمع قبل أشهر عن وجبة بورغر مغطاة بورق الذهب بأكثر من 600 دولار، وأيس كريم بضعف هذا المبلغ، في مدن عالمية تكفي نفاياتها الغذائية جوعى العالم.
ألا ليت المترفين يشترون حماماً ويطيرونه، علَّ الحمام يلقي بظل سلام مهدور على جفاف كرتنا الأرضية المتعبة، وليت مترفي عالمنا يعرفون أن الذهب عنصر خامل كيميائيا، وأنهم حتى ولو أكلوه أو زرطوه، فالجسم لن يهضمه، ولن يمتصه، بل سيذهب هدرا مع المياه السوداء. نريد حماما لهذا العالم الجشع ال....
الدستور 2018-03-04