القطاع الثالث وتحريك الاقتصاد
بقيت المعادلات التقليدية في مواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي في بلادنا تدور على ثنائية القطاعين العام والخاص ودور كل منهما في تحريك الاسواق والعمل وتسريع دوران رأس المال وتبادل الثروات، فيما لم يؤخذ القطاع الثالث بعين الاعتبار لا بشكل جدي ولا حتى من باب المحاولة او التجريب؛ السؤال اليوم: هل حان الوقت للحديث بطريقة اخرى حول مدخل القطاع الثالث في تحريك بعض جوانب الاقتصاد في هذه الايام حيث يواجه الاقتصاد الوطني تحديات وجودية غير مسبوقة؟
لا شك في رغبة الحكومة وتحديدا فريقها الاقتصادي في إحداث ازاحة حقيقية في ارقام النمو ووقف التدهور المستمر في معدلات البطالة ونسب الفقر غير المعلنة والتي تأتي جميعا وسط اجراءات اقتصادية قاسية تضرب عميقا في الاستقرار الاجتماعي، ما يجعل مهمة الحكومة ليس فقط تحفيز الاقتصاد وتحريك الاسواق بل تطوير ادوات للتكيف الاجتماعي الاقتصادي مع هذه الظروف، ولا يمكن اعادة الوصفات المجربة سابقا والتي اعادت بناء علاقات ريعية جديدة بين المجتمعات المحلية والدولة وصناديقها وخلقت شبكات انتفاع وابتزاز اكثر من كونها شبكات أمان اجتماعي فعلية.
التفكير بالقطاع الثالث بكل مكوناته من مجتمعات مدنية ونقابات وقطاع غير ربحي وحركة تعاونية وحركة تطوعية يحتاج رؤية جديدة وابتكارية، تأخذ بعين الاعتبار ماذا يحدث في العالم وما يتيحه الاقليم من فرص، فلقد وصلت مساهمة هذا القطاع في اجمالي الناتج العالمي 11 %، وفي بعض الدول وصلت الى 17 %، ما حول هذا القطاع لأن يكون قوة سيادية للدول تسهم في دعمها وسد الفجوات التي لا يصلها القطاعان الاول والثاني، بل ان الادبيات السياسية الاميركية كانت تصف القطاع الثالث بأنه (مضاد حيوي) في مواجهة الازمات الاقتصادية الاجتماعية، فهذا القطاع ليس مجرد جمعيات خيرية تتسول المساعدات ولا مجرد مراكز انتهازية تتنازل عن كل شيء من اجل تمويل اجنبي، نحن امام قطاع اقتصاد راسمالي اجتماعي تضامني يتضاعف دوره ومساهمته في العالم بشكل مدهش، فهو يوفر اليوم نحو 6.5 % من فرص العمل في اوروبا وينمو بقوة ثلاثة اضعاف القطاع الخاص.
لدينا، في الأردن صورة مشوهة واداء اكثر تشوها لهذا القطاع، وما يزال القطاع الثالث لا يظهر في حسابات الناتج الاجمالي الوطني، فيما المؤشرات الاخرى متدنية ومخجلة سواء في أعداد التنظيمات والمؤسسات المدنية وانتشارها او في نسب الانخراط في العمل التطوعي وتحديدا من قبل الشباب او مدى ايمان وممارسة القطاع الخاص لمبادئ المسؤولية الاجتماعية. قس على ذلك ضعف مساهمة النقابات التنموية وضعف الحركة التعاونية وتراجعها.
لم تأخذ رؤية الأردن 2025 ولا خطة التحفيز الاقتصادي هذا القطاع بعين الاعتبار، نحن اليوم بأمس الحاجة الى تطوير رؤية وطنية للقطاع الثالث من منظور اقتصادي تنموي جديد، تشمل هذه الرؤية رعاية الدولة لهذا القطاع بما يضمن تطوير التشريعات وسن تشريعات جديدة تجعل فعاليات هذا القطاع تدخل بالطول والعرض الى كافة قطاعات الاقتصاد والتنمية؛ الى التعليم والصحة والسياحة والخدمات العامة وغيرها، رؤية جديدة تؤسس للمشاركة الشبابية التي ينتفع منها الشباب وليس مجرد شعارات وإنشاء سياسي، تحتاج اي رؤية جديدة خطة لتحفيز النقابات لتمارس دورا تنمويا حقيقيا وخطة اخرى لاعادة بناء الحركة التعاونية الاردنية برؤية معاصرة ونفض الغبار عنها، وخطة اخرى لتحفيز مؤسسات المجتمع المدني على الابتكار في خدمة التنمية الوطنية.
نحن بأمس الحاجة الى تعبئة موارد جديدة بالاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا القطاع والاستثمار في سمعة الأردن العالمية وفي الاوضاع التي وجد فيها. إن القطاع الثالث قادر ان يكون عنصر قوة للدولة؛ أي قوة مضافة ومضاد حيوي فعال لمعالجة اختلالات الاقتصاد.
الغد 2018-03-11