سيجارة العزاء وسيجارة الرغيف
لربما (سيتفهموا) الخبّازُ الذي وجدوا في رغيفه عقباً لسيجارة طازجة مفروكة، أنه تعمّد أن يدسها في كتلة العجين، قبل ترويجه ورقه، كمسابقة عملية لزبائنه الكرام، وأن من يجمع حتى آخر الشهر علبة كاملة (20 عقباً)، سيفوز (بعبطة) خبز شراك.
لن أقف طويلاً عند هذا الخبر المؤلم المستفز، الذي نشرته الدستور للزميل علي القضاة قبل يومين، من أن مواطنا في عجلون وجد بقايا عقب سيجارة في رغيفه، ولكنه فضل الصمت وعدم ملاحقة الخباز قضائيا. وهنا ألم ثان.
سأقف عند سيجارة أخرى، أوردها خبر ثان للزميل القضاة في ذات الصفحة، فقد تبنت واحدة من عشائر جبل عجلون وثيقة شرف تنظم بيوت العزاء، وتفصّل مراسيمه تخفيفاً وتلطيفا على الناس، وبتراً لبعض العادت غير الحميدة التي كانت ترهقهم.
كثيرة هذه الوثائق التي بدأنا نسمع عنها، في بلدنا من الجنوب إلى أقصى الشمال، وهذه أمور نعتز بها ونقدرها، فالناس إذا ما وجدوا من يعلق الجرس، يبدأون بتنظيم أمورهم، والتخلص من سيئ عاداتهم.
في وثيقة هذه العشيرة، التي جاءت متشابه إلى حد كبير مع كثير من الوثاق السابقة، سنجد أنها تميزت بشيء أعتقد أنه عظيم، إذا ما طبق ونفذ وصمد في وجه الفوضى.
فحينما تدخل بيت عزاء، ستطالعك غيمة من الدخان الكثيف، تلفّ المكان وتجلله وتقتمه، وستظن للحظة أنها ستمطر سجائر من كل الأنواع؛ فكأن الناس تصيبهم شراهة التدخين في الأماكن العامة فيدخلون في تسابق شرس، الكل يعجّ على سيجارته، ضاربا بعرض الحائط القوانين التي تمنع هذا، وغير مراع أن سيجارته تسبب ألما وضيق نفس لأناس يمتد معهم لاسابيع أو أشهر.
في وثيقة هذه العشرة نجد بندا واضحا أن التدخين ممنوع في المضافة، وهذا أكثر من جميل. ولكن العبرة ستبقى في من سيلتزم، وسينفذ وسيصبر على صلافة البعض في تجاوز القانون وحق الناس. العبر كيف نستطيع أن نفرض مثل هذا الأمر الذي نتغاضى عنه، ولا نحسب له حسابا.
ربما علينا نحن غير المدخين، والمدخنين الذين يؤمنون بحق غيرهم بهواء نقي، أن نقف بصلابة وقوة لتنفيذ هذا البند، الذي تجاوزته جل وثائق الشرف السابقة. فتحية لمن يطبق القانون، وكلنا مطالبون بهذا. فإذا دخن في حيزك أحد اطلب منه أن يغادر بعيدا عنك. طالب بحقك بجو نقي، ومرة على مرة، سننظف أماكننا العامة من هذا البلاء.
الدستور 2018-03-12