الحرب الباردة تندلع رسميا
تعيدنا قضية العميل المزدوج "الروسي البريطاني" ومحاولة تسميمه في لندن، تعيدنا رسميا إلى أجواء الحرب الباردة ومراحلها الأشد توترا.
لندن لم تتأخر في توجيه الاتهام رسميا لموسكو بالمسؤولية عن محاولة قتل العميل السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا قبل أسبوعين.
تبادل البلدان طرد الدبلوماسيين بالجملة، وفي الأثناء أعلنت عواصم أوروبية تضامنها مع لندن ونددت بالسلوك الروسي.
واشنطن استثمرت على نحو سريع بالأزمة وقررت فرض عقوبات على 19 شخصية روسية وكيانات رسمية متهمة بالتدخل في الانتخابات الأميركية.
الأسابيع المقبلة ستشهد مزيدا من التصعيد بين روسيا والدول الغربية. الرئيس فلاديمير بوتين يقترب من ولاية رئاسية جديدة في الانتخابات المقررة اليوم، وفي دائرة القرار الأميركي تتعزز قوة التيار المعادي لموسكو، وستغدو سياسات العقوبات ضد موسكو نهجا غربيا متصاعدا في المستقبل.
موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي، سترد بالمثل على كل خطوة غربية، وبوتين بدأ التصعيد قبل القرارات البريطانية والأميركية الأخيرة، ورفع معدل الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة عندما أعلن عن تطوير أنظمة صواريخ حديثة قادرة على ضرب كل مكان في العالم، مطلقا العنان لسباق تسلح سيبلغ الفضاء الكوني مع إعلان الرئيس الأميركي نية بلاده تشكيل قوات فضائية!
هذه حرب باردة كاملة المواصفات لن يقلل من خطورتها تصريحات أمين عام حلف الناتو الذي صرح بأن الحلف لا يرغب بحرب باردة جديدة.
سيكون لهذه المواجهة "الباردة" تداعيات "ساخنة" في ساحات عالمية عديدة ومن أبرزها الشرق الأوسط.
سورية تمثل ساحة مثالية للاستقطاب الدولي، ستزيدها المواجهة الحالية تعقيدا، وتجعل من فرص تسويتها أمرا بعيد المنال.
لقد بدأت واشنطن فعليا إعادة التموضع في سورية، لقطع الطريق على تسوية تنهي الصراع لصالح روسيا وإيران. وتشير تقارير إعلامية إلى أن لندن تخطط لزيادة نفوذها في سورية لإبقاء روسيا في اجواء الأزمة المكلفة أطول وقت ممكن. باريس تبدو وكأنها قد تراجعت عن سياسة تبنتها سابقا تقوم على مبدأ الانفتاح على النظام السوري وأعلنت مؤخرا عن استعدادها للتحرك ضد دمشق لمعاقبتها على استخدام الكيماوي في الغوطة الشرقية.
"صفقة القرن" التي يبشر بها دونالد ترامب لحل الصراع العربي الإسرائيلي ستتحول لعنوان من عناوين الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن. القيادة الروسية وإن كانت غير معنية بانخراط عميق في الملف الفلسطيني الإسرائيلي إلا أنها لن تترك مساحة للولايات المتحدة إلا وتضع قدما فيها للحؤول دون تمكن التحالف الغربي من تحقيق اختراقات على حساب نفوذ روسيا في الشرق الأوسط أو في أي منطقة في العالم.
روسيا في العهد المتجدد للرئيس بوتين تدخل طور المنافسة عالميا وفي كل الساحات، وواشنطن "ترامب" المسكونة بمنطق الهيمنة الإمبراطورية وصولا للفضاء ستقاتل على كل الجبهات العالمية.
الشرق الأوسط يعود من جديد ساحة للحرب الباردة بعد سنوات من الهيمنة الأميركية الخالصة.