مسكين أيها الرجل
يحدث كل يوم أن يُعجب رجل بامرأة، وقد يتورّط فعلا، ويقع في غرامها، ويسعى إلى الوصول إلى قلبها بكل الوسائل المقبولة منطقيا واجتماعيا وأخلاقيا، وبأسلوب نبيل مهذب رقيق، بعيدا عن الفجاجة والمبالغة. وإذا تم له أقصى ما يمكن أن يتمناه، في هذه الحالة، ويكتشف أن الحبيبة الموعودة تبادله المشاعر الفياضة ذاتها، فإننا بصدد مشروع حكاية حب جميلة قائمة على الندية والتوافق، كفيلة ببث طاقة الفرح في نفوس العاشقين المحظوظين، وقد يمضيان الحياة في "تبات ونبات وينجبان البنين والبنات" قبل أن يتحولا إلى زوجين مملين، استهلكتهما الحياة، وبددت تلك اللحظة الوردية التي رافقت بدايتهما، هذه صورة ليست نمطية متشائمة، بقدر ما هي واقعية وتعبر بدقة عن طبيعة مشاعر العشق التي لا تدوم على حال. وفي أحسن السيناريوهات، وعند تحقق شرط توافق الطباع، قد ينتهي بهما الأمر رفيقين طيبين، يحتملان الحياة معا من دون حدوث خسائر في الأرواح والممتلكات. ولا يتبقى في النهاية من تلك الحكاية المثالية المدهشة سوى ألق البداية الخاطف للأنفاس.
وفي حالات أخرى، لا يمكن اعتبارها مقبولة أو حتى طبيعية، قد يبدي أحد الطرفين إعجابا، ويعبر عن اهتمام بالآخر. وهذا سلوك مفهوم تماما، غير أن هذه المبادرات، إذا لم تتوقف عند حد، قد تتحول إلى مصدر إزعاج كبير، عندما لا يبدي الطرف الآخر اهتماما مماثلا. عندها قد يتعدى الأمر حدود المنطق، ليصبح اضطرابا نفسيا، يستدعي مساعدة متخصصة، سيما إذا غدت أدوات التعبير عن المشاعر أحادية الجانب، هوسا وتعلقا وملاحقة وإصرارا على فرض الذات بالقوة، والتطفل بأسلوب فج وثقيل الظل كذلك، ومحاولة إثارة شفقة الحبيب المتمنع. وفي أحيان كثيرة، المنخرط في علاقة حب مستقرة وغير معني بهلوسات الآخر الذي وضع نفسه في موقفٍ بالغ السخف، متخليا عن حس التمييز والتقدير والكبرياء، مستمرا في الإلحاح والمطاردة وانتهاك الخصوصية، ما يسبب نفورا مضاعفا لدى الطرف المعتدى عليه. وبعيدا عن التعميم، وفي حال مقارنة بين سلوك النساء والرجال في هذا الشأن، يمكن القول إن ثمة نموذجا من الرجال يبدي عقلانية أكثر في مواقف كهذه، فيعمد إلى الانسحاب من المشهد بأقل الخسائر الممكنة، قد يكون السبب عدم صبره وعدم جدية مشاعره ابتداءً، فلا يرغب في مزيد من الجهد، لأجل محاولات استمالةٍ غير مجدية. ولا يخلو الأمر من نماذج ذكورية بليدة ومتدنية مستوى الذكاء، تتابع السعي من دون كلل.
أما نموذج المرأة المصابة بلعنة الحب من طرف واحد، فإنها تتحول إلى ملكة الدراما بلا منازع، بكاء ونحيبا دائما واكتئابا وانهيارات نفسية متتالية ورثاء الذات، وإصرارا عجيب التسول العاطفي المهين، ترفض الاستسلام، وتتمادى في مشاعر الحب الشوهاء، كلما زاد الرفض والنفور، بل قد توهم نفسها والآخرين بأنه يبادلها المشاعر نفسها، وتتصرف على هذا الأساس فتحول نفسها إلى أضحوكة ومضغة في أفواه الشامتين. والحق أنها نموذج مرضي يستحق الرثاء والرأفة، لأن الأمر ليس بيدها، فلا أحد يختار وضع نفسه في هذا الموقف الذليل الضعيف. ومن الصعب إخضاع مثل هذه السيدة المبتلاة لأي أسلوب تفكير منطقي، باستثناء إبداء النصح والمساندة النفسية، مع ضرورة إدراك أن العاشقة في مصاب كبير، يستدعي مرور وقتٍ، وتجاوز مراحل كي تتمكن من الخروج من سواد تلك المنطقة المعتمة، وتنتصر لنفسها، وتستعيد وقدرتها على التماسك في مواجهة النوائب. الطريف أن المرأة التي تصد الرجل تستثمر الحكاية أحيانا، كي تطرح نفسها امرأة رصينة، صعبة المنال، قادرة على وضع حد لأي متطفل. أما الرجل عاثر الحظ فإن صدوده يعتبر خسّة ونذالة وخذلانا لامرأة ضعيفة، كانت في أمس الحاجة له.. مسكين، أيها الرجل، التهمة ثابته عليك في كل الحالات.