الأرض والنكبة ومسيرات العودة
توجست حكومة نتنياهو من مسيرات العودة التي ينظمها الفلسطينيون على امتداد الفترة ما بين يوم الأرض في الثلاثين من آذار المنصرم ومنتصف شهر أيار القادم، ذكرى مرور سبعين عاماً على نكبتهم الكبرى ووضعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في حسبانها «أسوأ» السيناريوهات لما يمكن أن يحدث من تطورات ومواجهات ميدانية.
ومع أن الاحتلال يعرف أن الشعب الفلسطيني يحيي هاتين المناسبتين في كل عام، إلا أنه يدرك أن فعاليات هذا العام تتجاوز التأكيد على حق العودة إلى الديار والممتلكات؛ لتأخذ مسار المواجهة مع الهجمة الأميركية ـ الإسرائيلية، وعدوان إدارة ترامب على مكانة القدس في المشروع الوطني الفلسطيني، وتعمدها نقل سفارتها إلى المدينة في ذكرى النكبة، وانضمامها إلى المسعى الإسرائيلي لإنهاء «الأونروا» تمهيداً لشطب حق العودة وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
حفلت وسائل الإعلام العبرية بخطابات التحذير من خطورة ما يقوم به الفلسطينيون في يومي الأرض والنكبة وما بينهما على امتداد نحو 45 يوماً، ولم يمنع مرض نتنياهو الطارئ انعقاد المجلس الوزاري المصغر ليبحث في جميع الاحتمالات بما فيها إطلاق الرصاص الحي على المشاركين في مسيرات العودة عند اقترابهم من «حدود» بلادهم، وقد حرص ليبرمان الذي أدار الاجتماع بالنيابة على تصوير الأمر على أنه هجوم على إسرائيل من جهات الشرق والشمال والجنوب.
وكان لافتاً أن بعض أعضاء المجلس شدد على ضرورة تحذير بعض العواصم العربية المجاورة من ارتدادات هذه الفعاليات على أمنها، في إشارة إلى ضرورة «التنسيق المشترك» لإحباط هذه الفعاليات والحد من زخمها.. على الأقل.
بالمقابل، جهدت «اللجنة الوطنية العليا» المعنية بإدارة الفعاليات الجماهيرية الفلسطينية كي تكون شاملة وواسعة وممتدة جغرافياً داخل أراضي الـ48 وفي محيطها، وكان واضحاً أن الغالبية الساحقة من مكونات الحالة السياسية والشعبية الفلسطينية وصلت إلى مرحلة الاحتقان جراء سياسات التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي في مواجهة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
يمكن القول إن الحالة الشعبية والسياسية الفلسطينية أمام محطة بالغة الأهمية، وإنه من الممكن أن تشكل فعاليات يومي الأرض والنكبة انعطافاً جدياً في مسار التحرك الشعبي وتطوره باتجاه الاشتباك مع المشروع الاحتلالي التوسعي الإسرائيلي في معركة مفتوحة على اعتبار أن فعاليات هذا العام تجاوزت في كثير من العناوين الإحياء الرمزي للمناسبتين المتكاملتين.
وربما من نافل القول إن جبهات الاشتباك هذه ممتدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، كما في أراضي الـ 48 في ظل هجمة الاستيطان والتهويد بدءاً من القدس والأغوار والخليل وصولاً إلى الجليل والنقب. وهذا لا يعني أن سكان هذه المناطق معنيون حصراً بهذه المعركة، بل هي معركة الجميع سياسياً وميدانياً وديبلوماسياًـ
ففي المسألة السياسية، يفترض أن تتحد الحالة السياسية الفلسطينية بما فيها الرسمية في دعم التحرك الشعبي القائم ودعمه عبر الانخراط به والدفاع عنه وتوفير العوامل اللازمة لتطويره في إطار مقاومة شعبية متواصلة وشاملة تشترك فيها أوسع الفئات الشعبية دفاعاً عن الحقوق المعرضة للتصفية.
وفي هذا المجال، يتجدد التأكيد على وجوب التزام القيادة الرسمية بمقاطعة الاحتلال عملياً والابتعاد عن محاولات لجم التحرك الشعبي وقوننتة ضمن «اعتبارات» أوسلو الذي أكد المجلس المركزي في دورتيه السابقتين وجوب القطع معه ومع قيوده السياسية والأمنية والاقتصادية.
وفي الجانب الديبلوماسي، من المفترض أن تحتل مسألة تدويل القضية المحور الأساسي في التحرك الرسمي الفلسطيني، وقد أكدت قرارات المجلس العالمي لحقوق الإنسان مؤخراً حول القضية الفلسطينية والصراع مع الاحتلال أن المؤسسات الدولية ميدان رحب ومساعد في مقارعة الاحتلال والضغط عليه، وسلطت الضوء على ضرورة تثمير هذه القرارات ـ كما غيرها ـ ونقلها إلى المؤسسات الأممية ذات الاختصاص وخاصة المحكمة الجنائية الدولية ورفع شكاوى مباشرة أمامها تمهيداً لمحاكمة الاحتلال على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وممتلكاته؛ وعرض جرائم المستوطنين في القدس والضفة أمام المحكمة باعتبارهم نتاج للاحتلال والاستيطان والتهويد؛ وجميع هذه الجرائم موصوفة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
• ولا تنفصل عن هذا كله، معركة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وفي المقدمة حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها إبان النكبة وما بعدها، ومواجهة المحاولات الأميركية ـ الإسرائيلية الهادفة إلى استبدال التفويض الدولي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عبر الفصل ما بين قرار تشكيلها والقرار الدولي 194، الذي يوجه عمل الوكالة باتجاه تقديم الخدمات للاجئين إلى حين عودتهم.
• وفي هذا السياق تدخل معركة الدفاع عن (الأونروا) ووظيفتها القائمة في مقدمة محاور الدفاع عن حق العودة.
ومن الطبيعي أن تمتد فعاليات مواجهة الهجمة الأميركية ـ الإسرائيلية تحت عنوان الدفاع عن الأرض والحقوق لتشمل جميع مواقع اللجوء والشتات في حملة جماهيرية وسياسية موحدة تؤكد وحدة حقوق الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية.
لقد نقل التطابق الأميركي مع المشروع الصهيوني والسياسات الإسرائيلية التوسعية الصراع مع الاحتلال إلى مستوى أكثر خطورة مع توظيف واشنطن إمكاناتها السياسية والمادية في ضغط مباشر على الحالة الفلسطينية للقبول بشروط تل أبيب.. وعلى اعتبار أن الأرض هي جوهر الصراع مع الاحتلال، فإن السياسات الأميركية الأخيرة تسعى إلى ترسيم ملكية الأرض لصالحه، عبر تجاوز ضرورة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967، وعبر التصريح عن حق الاحتلال بنشر الاستيطان في الضفة ـ والاعتراف بأن القدس عاصمة أبدية له.
وفي إطار ما تم الاعلان عنه من عناوين لما يسمى «صفقة العصر» فإن الفلسطينيين على هامش الخطة الأميركية التي تدور بالأساس حول إيجاد حل إقليمي يأخذ بنظر الاعتبار تقاطع المصالح الإقليمية ويكون فيه التطبيع الرسمي العربي مع الاحتلال هو الهدف الأساسي بمعزل عن حقوق الشعب الفلسطيني وحقوقه؛ وفي مقدمتها حق عودة لاجئيه إلى ديارهم وممتلكاتهم.
لذلك، تمثل عناوين الدفاع عن الأرض والتمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات العناوين الأبرز في مهام العمل الوطني، وبالتالي ستكون مسيرات العودة إحدى روافع هذه المهام الوطنية الكبرى، وهو ما على الحالة الفلسطينية الدفع باتجاه إنجاح هذه الفعاليات ودعمها.