انقلابات في المشهد السوري... ماذا تنتظر الدبلوماسية الأردنية؟
لولا “المكان”، لكان الأسد مشاركاً رابعاً في قمة الضامنين الثلاثة لمسار أستانا التي أنهت أعمالها في أنقرة الأسبوع الماضي، وفقاً لما أوردته صحيفة الأخبار اللبنانية عن مصادر روسية وصفتها بالمطلعة، موضحة أن الأسد اعتذر من بوتين عن عدم تلبية الدعوة بالنظر لانعقاد القمة في تركيا التي تحتل مساحات واسعة من سوريا، وتشتبك مع نظامه في صراع سياسي وميداني ضارٍ.
ولولا “المكان”، لأمكن إطلاق العنان للتكهنات بإمكانية مشاركة الأسد في القمة العربية المقبلة ... حيث تنشط الجهود والوساطات التي تقوم بها أكثر من دولة عربية، لضمان عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، لكن انعقاد القمة في الرياض، سيجعل جهود الوسطاء ومساعيهم الحميدة، أكثر صعوبة وتعقيداً.
يعني ذلك، أن الأسد قد يشارك في قمة “الثلاثي الضامن لمناطق خفض التصعيد” المقبلة والمقرر عقدها في طهران، صديقة الأسد وحليفته، وقد يصبح هذا الإطار الثلاثي، رباعياً، وقد تتحقق المصالحة السورية – التركية على هامشه، والتي تعد مفصلاً رئيساً لمعالجة مشكلات الحروب والجبهات المفتوحة على امتداد الشمال السوري.
ويعني ذلك أيضاً، أن الأسد أو من يمثله، ربما يشغل مقعد سوريا في القمة العربية بعد عام من الآن، والتي من المرجح أن تعقد في لبنان، على ما كانت وسائل إعلام لبنانية قد ذكرت، نقلاً عن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في إيجاز له أمام وزراء من حكومته... إن حصل ذلك، فنحن بإزاء تطور نوعي مهم في سياقات الأزمة السورية.
والحقيقة أن هذه التطورات، تأتي منسجمة تماماً مع التبدلات في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية من الأزمة السورية ... تركيا التي طالما عبرت عن أشد مشاعر الكراهية والعداء للأسد ونظامه، باتت مسكونة اليوم بهاجس “الكيان الكردي”، ولديها من المتاعب مع واشنطن والغرب، ما يدفعها للتقرب من طهران وموسكو، والطريق إلى دمشق، يمر حكماً بأهم عاصمتين حليفتين لنظام الأسد، وثمة تقارير ومعلومات، تحدثت عن “مقايضات” وصفقات” جرى إبرامها بين دمشق وأنقرة، عبر الوساطة الروسية، وبمراقبة حثيثة من الحليف الإيراني، مكنت النظام من بسط سيطرته على مساحات واسعة من شمال سوريا، فضلاً عن حلب الشرقية وغوطة دمشق، وأفسحت في المجال أمام الجيش التركي للوصول إلى عفرين ومورك وقبلها جرابلس والباب وغيرها.
الموقف السعودي بدأ يتغير على نحو لافت، بعد إقرار رجل الرياض القوي، محمد بن سلمان، بأن الأسد باقٍ في السلطة، وتوجيهه “النصح” له بألا يجعل من نفسه “دميةً” في يد طهران، وإقراره بأهمية الدور الروسي في سوريا، أقله لكبح جماح الدور الإيراني المهيمن ... من راقب تصريحات ولي العهد السعودي للصحف ووسائل الإعلام الأمريكية أثناء رحلته الطويلة في الولايات المتحدة، لاحظ بلا شك، عمق التحول في الموقف السعودي، وهو تحول بدأ قبل أكثر من عام، عندما “نصح” الوزير عادل الجبير قادة “منصة الرياض” بالتكيف مع حقيقة بقاء الأسد في السلطة، حتى إشعار آخر.
الولايات المتحدة، وحدها من بين جيمع اللاعبين الكبار في سوريا، ما زالت تتخبط في ركام التصريحات المتناقضة التي تصدر عن ترامب وبيته الأبيض من جهة، أو عن الخارجية والبنتاغون من جهة ثانية ... لكن أغلب الظن، أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، إن بقي على المدى المباشر والقصير، فلن يستمر على المديين المتوسط والبعيد ... بانتظار أن تُتم الإدارات والمؤسسات الأمريكية ذات الصلة، ترتيب عملية ملء الفراغ ونقل السلطة والإدارة في المناطق التي تسيطر عليها، والتي تزيد عن ربع مساحة سوريا.
تطورات متسارعة في الملف السوري، تملي على الأردن، الجرأة في العمل على استدراك مصالحه، و”التفكير من خارج الصندوق”، وتوسيع قنوات الاتصال والتفاوض مع دمشق، وعرض المساهمة بشكل حثيث في إتمام المصالحات والتسويات في جنوب سوريا، وفي ريف درعا الشرقي على وجه الخصوص، توطئة لفتح الحدود واستئناف حركة الأفراد والبضائع والرساميل والخدمات، مع سوريا، وعبرها مع لبنان.
الدستور -الاثنين 9/4/2018