حرب الأعصاب الذكية
يبدو أن حرب الأعصاب الغربية كانت أذكى من الصواريخ التي أسقطت على مواقع سورية فجر السبت، فقد جاءت الضربة محدودة ورمزية، وهدفت الى تفريغ الشحنات السياسية التي أشعلها الرئيس الأميركي ورئيسة الوزراء البريطانية، ربما لأهداف داخلية ودولية، فيما سوف نسمع من الدعاية الغربية والعربية والإيرانية، الكثير خلال الأيام المقبلة.
صحيح أن الكلمات كانت أقوى من الطلقات هذه المرة، لكن الى هذا الوقت لا ندري ما هي طبيعة التفاهمات التي حدثت في اللحظات الأخيرة بين العواصم الغربية وموسكو، التي وصلت الى الاكتفاء بضربات محدودة لأهداف عسكرية سورية تقليدية ومكشوفة والابتعاد نهائيا عن أي أهداف روسية أو إيرانية أو حتى أهداف لحزب الله، على الرغم من أنه يندر وجود مواقع عسكرية أو استراتيجية سورية لا يوجد فيها الروس أو الإيرانيون أو عناصر حزب الله؛ هذا يعني أن بنك الأهداف الكلامية والدعائية حرق أعصاب العالم أكثر مما فعلت الصواريخ.
كان من المتوقع أن الولايات المتحدة لن تذهب بعيدا في التصعيد مع الروس في مواجهة عالمية، لكن من الواضح أن الرئيس وبعض المؤسسات قد استثمروا في الحالة السورية لتفريغ شحنات سياسية ذات صلة بالعلاقات الروسية الأميركية والروسية الغربية، وقد لا يكون كل التصعيد الدعائي الغربي خلال الأيام الماضية، مرتبطا بالكامل بالأوضاع السورية، فالمندوبة الأميركية في مجلس الأمن تزعم أن السلاح الكيماوي استخدم في سورية خلال السنوات الأخيرة خمسين مرة من قبل؛ فأين كنتم! الأمر الآخر الذي من المحتمل أن حرب الأعصاب الأخيرة قد مررته، هو بداية نهاية التدخل الأميركي المباشر في سورية، وهذا الاستنتاج يبنى على الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في الغوطة الشرقية والتي تعني عمليا نهاية جانب مهم من النفوذ الغربي على الأرض في سورية، وربما بداية تبلور مسار رابع للتسوية السياسية غير مسارات جنيف واستانة وسوتشي.
الوجهة الأخرى، تتعلق بالموقف الإسرائيلي واحتمالات أن يكون القادة الإسرائيليون هم من أسهم في التحريض وفي زيادة جرعات حرب الأعصاب، التقديرات الاستراتيجية تختلف في تقييم الموقف الإسرائيلي، فثمة اتجاه يرى أن الرؤية الإسرائيلية قامت على مبدأين طوال الأزمة السورية؛ الأول إبقاء إسرائيل بعيدة عن أي تدخل مباشر في الصراع، والثاني عدم السماح لحزب الله باستخدام حربه في سورية لتعزيز قدراته العسكرية واتخاذ مواقف لوجستية تعزز من قدراته على مواجهة إسرائيل من أرض جديدة، وفي الوقت الذي صمدت فيه هذه الرؤية على مدى السنوات السبع الماضية، وحققت مكاسب استراتيجية كبيرة لإسرائيل، إلا أنها في المقابل عززت من مخاوف إسرائيل الفعلية حيال قوة حزب الله واقتراب إيران على الأرض.
حرب الأعصاب الجديدة؛ تتداخل فيها العوامل الدولية والإقليمية بقوة كبيرة، ويسودها غموض استراتيجي وتراجع للوضوح الأخلاقي، في حرب الأعصاب قد تدور الكلمات والتهديدات في مكان ما، بينما الطلقات والضربات تقصد أماكن أخرى، هكذا يحدث عندما يعترك الكبار.
الغد - الاحد 15/4/2018