العرب والقضية الفلسطينية.. ترامب لا ينفع
رغم موقفنا وسائر جماهير الأمة من المبادرة العربية، لجهة رفض أي تنازل للصهاينة عن أي شبر من فلسطين، فإن التأكيد عليها في اجتماع القمة العربية، ورفض قرار ترامب بشأن القدس يُعد أمرا معقولا، لأن أقصى ما كان يؤمل هو وقف التراجع، وهذا شيء مؤسف بالطبع، لأن مواقف ترامب، وغطرسة نتنياهو تستدعي مواقف أقوى.
في كل الحراك الراهن في المنطقة، وسواء شرّق أم غرّب.. ركز على سوريا أم على سواها، تظل القضية الفلسطينية في المركز من هذا الحراك.
لا توجد مقابلة لأي زعيم عربي مع وسيلة إعلام أجنبية إلا وتتطرق للملف الفلسطيني. هذا بشكل عام، ويتصاعد الموقف حين يكون من يجري المقابلة ممن ينحازون للكيان الصهيوني، وله مصلحة في الحصول على مواقف جديدة حيال الصراع.
في هذه المرحلة الأخيرة يبرز بُعدان، يتعلق الأول بالخطاب حيال الملف الفلسطيني، وآخر يتعلق بالممارسة على الأرض، وبالمواقف العملية.
في الشق المتعلق بالخطاب، تظهر من قبل البعض نبرة جديدة حيال الكيان الصهيوني؛ إن كان على صعيد الحلول المطروحة، أم على صعيد التطبيع مع الكيان، ونرى أن هذه النبرة تتصاعد بمرور الوقت، ويجري حشد تأييد لها عبر الجيوش الإلكترونية التي تروّج أي شيء يُطلب منها، أيا كان مستوى صدامه مع الوعي الجمعي للأمة.
أما على صعيد المواقف، فنرى تراجعات لافتة في المواقف من التسوية والتطبيع (لا نتحدث عن بيان القمة الذي يكون نتاج توافق عام)، ونرى سباقا بين كثيرين على تقديم المزيد من المواقف التي تغازل الكيان، ربما لأن كثيرين يرون أن مفتاح قلب ترامب يكمن في تل أبيب.
والمصيبة في هذا كله أنه يأتي وسط استخفاف أمريكي صهيوني بكل المواقف العربية التقليدية حيال الحلول السياسية، والتي جسّدتها المبادرة العربية، ومجمل المواقف قبلها وبعدها حيال القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
نعم، يحدث ذلك بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وبعد إعلانه إخراجها من دائرة التفاوض، وبعد مسلسل لا يتوقف من عمليات الاستيطان والتهويد، وبعد حديث عن «صفقة القرن» التي يعلم الجميع حقيقتها بعيدا عن التسريبات المتعلقة بمضمونها.
واللافت في هذا كله أنه يتم من دون ثمن مقابل، فلا الطرف الأمريكي والصهيوني يتقدم خطوة ولو صغيرة نحو هؤلاء، بل يزداد صلفا في حقيقة الأمر، ولا الطرف الأمريكي يقدم شيئا مقابلا أيضا.
حين يجري الحديث عن الموقف من إيران، فإن الكل يعلم أن الابتزاز الأمريكي لها لا يتعلق البتة بهواجس العرب حيالها، بل بمطالب الكيان الصهيوني منها (برنامج الصواريخ بعيدة المدى والخطاب السياسي)؛ ما يعني أن العرب يدفعون ثمنا مقابل مواقف لا تتعلق بهم أصلا. وهي ستبقى على حالها، سواء صمتوا أم تحدثوا، أم تقدموا بمواقف سياسية إشكالية، ولا تسأل بعد ذلك عن دفع أثمان اقتصادية أيضا لقاء تلك المواقف.
نعم، إنهم يدفعون الثمن بكل الأشكال لقاء مواقف لا تتعلق بهم أصلا، من دون أن ننسى أن هناك ما يتعلق بالحصول على الدعم السياسي لأنظمة لا تحتاجه، لأن أمريكا اليوم ليست هي أمريكا نهاية التسعينيات، واحتمال غضبها ليس صعبا في ظل الصراع الدولي الراهن، وتراجع نفوذها على امتداد العالم.
من الأفضل أن يبادر الجميع إلى مصالحات داخلية تمنحهم القوة في مواجهة أي ضغوط، بدل التورط في مواقف إشكالية حيال قضية الأمة المركزية، وحين يفعلون ذلك سيكونون أقوى، حتى في المواجهة مع إيران ذاتها. أما المواقف الإشكالية، فلن تمنحهم سوى التناقض مع شعوبهم وأمتهم.
لسنا خائفين من ضياع القضية الفلسطينية وسط هذا البؤس، فالشعب الفلسطيني ليس قطيعا من الأغنام يُساق إلى حتفه صامتا، والأمة ليست بهذا الهوان حتى تقبل بتضييع قضيتها المركزية، ومن يقرأ التاريخ يدرك حيوية هذه الأمة، ومفاجآتها للجميع؛ حتى حين يظن البعض أنها دخلت مرحلة الموات
الدستور الثلاثاء 17/4/2018