قصة البصمة
علينا أن ندافع عن حق المعلمين ونقابتهم في طرح جميع قضاياهم ومطالبهم للنقاش، وعلى الوزارة أن تتفهم بعض المطالب حتى وإن كان بعضها يحمل أحيانا بعض الغلو؛ فثمة تاريخ طويل من إهمال وتهميش هذه الفئة التي تقوم بمهمة مفصلية في حياة المجتمع وتطوره، وعلى المؤسسات الرسمية أن تستوعب مشكلات الإصلاح، ولكن الذي لا نستطيع أن نستوعبه ولا نفهمه، رفض المعلمين لإجراءات ضبط الالتزام بالعمل، المتمثل في رفضهم نظام البصمة وخروجهم بمبررات غير منطقية.
خلال سنوات من تراجع المؤسسات العامة، ساد لدى فئة من الموظفين العامين نمط من التهرب من العمل، وهو الأمر الذي ينسحب على فئات واسعة من مؤسسات الدولة، حتى بات ضعف الالتزام والانضباط في العمل في مرحلة ما مضربا للمثل، ونلاحظ حجم الممانعة التي تبديها بعض الفئات في رفض إجراءات ضبط الالتزام بالعمل في آخر ثلاث سنوات، وقد يفهم جانب منها على أنه تصعيد من قبل من لهم مصلحة في استمرار حالة الفوضى؛ وإذا كان الاسترخاء في ضبط هذه المسألة يمس مصالح المواطنين وحقوقهم في الخدمة العامة، فإن السكوت على هذه الأوضاع في المدارس وفي مؤسسات النظام التعليمي أمر في منتهى الخطورة.
في حالات الاسترخاء التي تضرب مفاصل حساسة في الدولة في مراحل ما، تحتاج السلطات والمؤسسات إلى تكاتف خلف فكرة الانضباط المؤسسي؛ أي ما قد يصل حد التطرف في الالتزام بتطبيق القانون وإجراءات الضبط من دون هوادة؛ لماذا؟ ليس لكي يستعيد القانون مكانته وحضوره فحسب، بل أيضا لفرض ثقافة الحق والشرعية والعدل وتكافؤ الفرص في سلوك الأفراد والجماعات، وفي حياتهم اليومية، وحتى يتحول الانضباط واحترام حقوق الآخرين واحترام الحق في الخدمة العامة إلى جزء من السلوك اليومي للناس؛ أي إلى تقاليد لها قوة معنوية كبيرة قادرة على الاستمرار، حتى لو نسي الناس القانون نفسه، علينا أن نبدأ من الوظيفة العامة التي يجب أن تقدم المثال الحي في الالتزام والانضباط.
كما دافعنا، على مدى سنوات، عن حق المعلمين في أن يكون لهم تمثيلهم النقابي وعن الكثير من مطالبهم العادلة، ودافعنا عن حق النقابات بشكل عام في أن تكون لها مواقفها السياسية والاجتماعية، فإن علينا في الإعلام أن ندافع عن حق المجتمع من خلال الدفاع عن حقوق الفئة العريضة منه، وهم الطلبة. فليس من المعقول أن تبقى العملية التعليمية عرضة للتجاذبات السياسية، وحتى المطلبية والمهنية. وقد حان الوقت لنقابة المعلمين أن تحيّد العملية التعليمية عن هذه التجاذبات. فقد دفع الطلبة ثمن الإضرابات التي تسببت في اضطراب العملية التعليمية على مدى سنوات مضت. وعلينا أن نلاحظ ارتباط بعض مظاهر تراجع التعليم، حسب بعض التقارير العالمية، بسنوات الإضرابات.
ثقافة الإضرابات والاعتصامات جديدة على المجتمع. ومن المفترض أن تعتاد الدولة والمجتمع على هذا السلوك، باعتباره أداة ديمقراطية للتعبير عن الرأي والمطالب، ومن المفترض أن تطور مؤسسات الدولة عموماً مواقف إجرائية ديمقراطية للتعامل مع هذا السلوك. فبدل أن نتذمر من هذه الأنماط من السلوك الجماهيري، حان الوقت لأن نطور الثقافة المحلية حول حدود الإضرابات، ومتى نلجأ للاعتصامات؛ علينا أن نثقف الناس بأن هذه أدوات ديمقراطية للتأثير المتبادل، رأسمالها الحقيقي هو المجتمع، ومن يخسر المجتمع يخسر قضيته. وهذا ما نخشاه على النقابة وعلى المعلمين: أن يخسروا المجتمع، وبالتالي يخسرون قضيتهم.
الغد - الاثنين 23/4/2018