جمهورية كأنّ..
يتجاوز علاء الأسواني؛ الأديب والكاتب المصري المعروف، في روايته الأخيرة "جمهورية كأنّ" الخطوط الحمراء جميعاً، يقطعها إرباً، ويصطدم بعنف وقوة بالمؤسستين العسكرية المصرية، والأمنية أيضاً، ودورهما في الأوضاع قبل ثورة 25 يناير، وبعدها، ويعاكس الصورة الإعلامية المصرية التي روّجت لدور إيجابي وجميل تماماً.
لا أعرف ماذا بعد "جمهورية كأنّ" بالنسبة للروائي الذي ما يزال يعيش في مصر، وبعدما فضح المستور، وقدّم رأيه عن دور سلبي كامل، بل ومتآمر على الثورة المصرية، من قبل المؤسسة العسكرية، مع استمرار الديناميكيات التي حكمت نظام مبارك فاعلة، وإعادة تأهيلها للمرحلة التالية، مع استبدال بعض الوجوه، لكنّ السلطة بقيت في يد المؤسسة العسكرية وتحت هيمنتها.
السؤال عن مصير الأسواني مرتبط بما تنبأ به أحد المصريين المعروفين، الذي التقيته قبل أسابيع قليلة، بأن تؤدي هذه الرواية إلى كلفة كبيرة يدفعها المؤلف، كما يقول صاحبنا، الذي يضيف "جرّبنا كلفة معارضة مبارك والنظام الحالي، هي لا تقارن بأيّ حال من الأحوال"، اليوم "هنالك كلفة إنسانية لا يمكن دفعها من قبل المعارضين!".
بالعودة إلى الرواية، فهي تقترب من توثيق بعض أسباب الثورة وإرهاصاتها في مصر، عبر التركيز على أشخاص معينين، لعبوا أدواراً إيجابية وسلبية، منهم الشباب ورجال الدين المسلمون والمسيحيون، وقيادات أمنية، وفيها تشريح جميل لأفكار وثقافات وسلوكيات يصعب الوصول إليها عبر الكتب التي وثقت مباشرةً للأحداث، لأنّ الروايات عموماً تغوص أعمق من السطح إلى عمق التفاعلات النفسية والاجتماعية والثقافية، التي لا تتمكن كثير من الأدوات العلمية البحثية من الوصول مباشرةً إليها.
بالرغم من جمالية الرواية ومضمونها المهم، وجرأتها غير الاعتيادية، وقدرتها على رسم صورة جميلة عن الصراعات والتفاعلات التي حكمت إرهاصات الثورة، إلا أنها واجهت ملاحظتين رئيستين، برأيي، في المضمون؛ الملاحظة الأولى وربما يمكن فهم أسبابها المبالغة ببعض الجمل والعبارات غير التقليدية في الروايات، لكن من الواضح أنّ استخدامها مقصود به الوصول إلى المدى الأقصى من شرح وتوضيح مستوى التعذيب والإذلال الذي أريد إيصال شباب الثورة إليها من قبل السلطة العسكرية.
أمّا الملاحظة الثانية، فهي استمرار تجذير الصورة النمطية الشمولية غير الموضوعية عن جماعة الإخوان المسلمين، وكأنّهم جماعة من الفضاء، متآمرون على الثورة، متواطئون مع النظام والمؤسسة العسكرية، وفي هذه الصورة ظلم وتسطيح كبير، مع التأكيد أنّ الجماعة ارتكبت أخطاءً فادحة، وخطايا، وتواطأت في أوقات مع المؤسسة العسكرية، لكنّ ذلك كان لمرحلة معينة، أولاً، وكذلك لم يشمل شريحة اجتماعية واسعة من شباب الجماعة، الذين كانوا أحد أعمدة الثورة منذ البداية، وشاركوا فيها وأجبروا القيادة على التخلي عن تحفظها في المرحلة الأولى، وهؤلاء الشباب الإخواني هم شريحة من الشباب المصري، الذي يبحث عن الحرية والكرامة، مثله مثل شباب 6 أبريل، وغيرهم، فلماذا فقط تشويه كل شباب الإسلاميين وحدهم!
لو أخذتنا الرواية إلى مسافة زمنية أطول قليلاً، فإنّ هنالك كثيراً من المثقفين الذين احتجوا على الإخوان والمؤسسة العسكرية، سكتوا لاحقاً عن تدخل الجيش وتحضيره مع قوى إقليمية لاحتجاجات 30 يونيو، وبعضهم لعب دوراً مهماً في تبرير الانقلاب على المسار الديمقراطي!
بيت القصيد، الرواية مهمة وجميلة وتصحح كثيراً من الأفكار المبالغ فيها عن "قدسية المؤسسة العسكرية" في العالم العربي، وتضعنا أمام الحقيقة المرّة، أنّ هنالك فاشيات أو أشباهها تتصارع؛ فالخشية من "فاشية دينية" -كما يوجز صديقنا المصري- جرّ المثقفين إلى فاشية أسوأ بكثير!
"الديمقراطية هي الحل"، كما تعوّد الأسواني أن ينهي مقالاته كافة، قبل الثورة المصرية وبعدها..
الغد - الجمعة 27/4/2018