ديمقراطية الابيض والاسود !!
طرح جان بول سارتر في اربعينيات القرن الماضي سؤالا اشكاليا وقد يكون استنكاريا هو، ما الذي سيفعله الديمقراطيون بأعداء الديمقراطية؟. وهل الديمقراطية اليفة ام متوحشة ؟ ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف السجال حول الديمقراطية، لكن الكثير من ثورات العالم الثالث اضافت صفة الديمقراطية الى مجمل وصفاتها، ومنها ما وصف ثورته بأنها تقدمية، وكأن هناك بالمقابل ثورات رجعية.
والارجح ان ما قاله برنارد شو عن الانسان الذي يثرثر عن كل ما ينقصه انما يحاول التعويض، الديمقراطيون الذين ترسخ لديهم هذا المنهج في الحكم وتداول السلطة نادرا ما يتحدثون عن الديمقراطية لأنهم ببساطة يمارسونها كما لو انهم يتنفسون، وما من انسان يقول طوال الوقت انه يتنفس! وما قيل عن الثورة الفرنسية والجرائم التي ارتكبت فيها باسم الحرية يمكن قوله وبدرجة اشد من الجرائم التي اقترفت باسم الديمقراطية، خصوصا بالنسبة لمن امتطوها كي يصلوا الى سدة الحكم ثم كانت اولى ضحاياهم !.
لكن ما شهده العالم العربي في هذه الفترة الحرجة من تاريخه حول التلاعب بمفردة الديمقراطية يندرج في خانة تختلط فيها المأساة مع الملهاة على نحو فريد، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن هناك متعهدين لاصدار طبعات من الديمقراطية بعد استئصال نخاعها وتقديم عيّنات منها للعرض فقط.
وقد يكون من التكرار والالحاح التذكير بأن الديمقراطية ليست ذات بعد سياسي فقط، وربما كان البعد السياسي فيها حصيلة منطقية لابعاد اخرى منها التربوي والثقافي والاجتماعي، ويخطىء من يتصور ان حرق المراحل يليق بمثل هذا المنجز الحضاري، والتمدين هو منجم الديمقراطية ومادتها الخام، لهذا فان المجتمعات التي لم تستكمل اقانيم الدولة وتعيش ثقافة ما قبلها سيبقى فهمها للديمقراطية مشوها لأنها تعيد انتاج كل المفاهيم من خلال ثقافتها ووعيها !
ان ديمقراطية بالابيض والاسود كما يتضح من اطروحات ملفقة هي من افراز ثقافة ترتهن للاحتكار وتعلق اقنعة مزخرفة على وجه الاستبداد القبيح!
الدستور - الاحد 29/4/2018