"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"
لقد سبق الإسلام في مبادئ تشريعه الشرق والغرب في سنه حقوقا للخدم والعمال تكفل حياة كريمة لهم، هذه التشريعات سمت على ما وصلت إليه النظم الحديثة والتي تزعم أنها حققت مكاسب كبيرة للعمال، ولم تشهد أي حضارة عدلاً في إنصاف حقوق العباد مثلما قدمته ووضعت ضوابطه الشريعة الإسلامية، حيث حض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه .
فالعمل والخدمة في الإسلام مهن لا تزرى على أصحابها ولا تحقر من شأنهم، فحياة الناس في المجتمع الإسلامي قائمة على خدمة الناس وتسخيرهم لبعضهم البعض،لاختلاف قدرات الناس ومواهبهم، وأعمالهم ومهنهم، فكل ميسر لما خلق له، وفي جو الأسرة الإسلامية يتعاون الجميع على البر والتقوى ضمن مقياس التفاضل في الإسلام، وهو قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات: 13).
وقد استنفر الرسول الكريم المسلمين للاحتراف والكدح والسعي في طلب الرزق وحثهم على العمل لعمارة الأرض، وبين لهم أن الطعام الطيب الهنيء هو الطعام الذي يتذوقه الإنسان بعد الكد والتعب، فيتذوق فيه عناء العمل ومتعة الإنتاج، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم (ما أكل احد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده) رواه البخاري.
كما بين عليه الصلاة والسلام أن المسلم إذا اجتهد في العمل ليعيل نفسه وأهله، وليتعفف عما في أيدي الناس كان له اجر المجاهد في سبيل الله (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه، وقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كان خرج يسعى عن ولده صغارا فهو في سبيل الله، وان كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وان كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وان كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان). رواه الطبراني.
كما حث صلى الله عليه وسلم على الاحتراف لإتقان العمل فقال (إن الله يحب المؤمن المحترف) رواه البيهقي، ويقول عليه السلام: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).
أهم حقوق الخدم والعمال
1ـ حسن المعاملة
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد عامل خادمه انس رضي الله عنه معامله حسنة، فلم تصدر منه كلمة واحدة لخادمه تجرح شعوره أو تخدش كرامته، أو تدل على تضجر منه ولم يقم بتوبيخه أو تأنيبه،عن انس قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف ولا لم صنعت؟ ولا ألا صنعت) رواه مسلم.
وكم ندرك الخطأ الشائع لدى كثير من الناس في احتقار الخدم والعمال والإساءة إليهم والغلظة في معاملتهم والقسوة عليهم في أعمالهم، فإن هذا يتنافى مع مبادئ الإسلام وأخلاقه ولا يجوز أن نجري وراء المقولة: "ان خلق العمال والخدم اليوم لا يصلح لهم إلا الإساءة والغلطة والقسوة" لان في ذلك مخالفة لتعاليم الإسلام فمن الخير أن نتخذ الوسائل والأساليب لتعليمهم وتدريبهم ورفع مستواهم وتأديبهم بما يفيد أنفسهم ومجتمعهم.
2ـ التكليف على قدر الطاقة
فمن حق الخادم أو العامل أن يكلف بالأعمال على قدر طاقته وضمن ساعات العمل، التي تقررها قوانين العمل، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فلا يجوز لصاحب مصنع أو ورشة أو حرفة أن يكلف خادما أو أجيرا أو عاملا بما يشق عليه، ويجب أن تكون طاقة العمل ملائمة لعدد العاملين لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فأن كلفتموهم فأعينوهم) رواه البخاري ومسلم وفي رواية (لا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم) رواه البخاري.
أي لا تكلفوهم أي عمل تصير قدرتهم فيه قاصرة ومغلوبة، فيعجزوا عن القيام به لعظمه وصعوبته، فإن كان العمل فوق قدرة العامل أو الخادم فيجب إعانتهم بآخرين، أو أعينوهم على تعويض ذلك بأجر إضافي، فلا يجوز لأرباب العمل استغلال العمال الاستغلال السيئ.
3ـ تأمين الحياة الكريمة بجميع وسائلها
فالإسلام يعطي العامل حق تأمين نفقاته بما يكفي معيشته من تأمين معاش وتأمين صحي وتأمين تعليمي له ولأفراد عائلته حتى يقوم بعمله بامان واستقرار ويتضامن بذلك رب العمل والدولة وذلك بسن القوانين التي تضمن له حق كفايته وحمايته أسرته من المرض أو الشيخوخة أو الوفاة وفي هذا المجال يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له دابة فليتخذ دابة) رواه البخاري.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ضياعا "أي ورثة" أو كلأ "أي ذرية ضعفاء" فليأتني فأنا مولاه) رواه البخاري.
ففي هذا الحديث جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لذرية العامل في مال الدولة ضمانا لهم. وبناء عليه فان كل ما يصدره ولي الأمر من انظمة لا تخالف الشرع وترفع الظلم على العمال وتضمن حقوقهم يجب التقيد به وتنفيذه شرعا لأنه يدخل في تلك المبادئ التي كفلها الإسلام للعمال.
4ـ حق الأخوة الإسلامية
فالعامل أخ لرب العمل، ورباط الأخوة الإسلامية من أقوى الروابط لأنه مبني على العقيدة التي تجمع بين الخدم والمخدومين والعمال وأصحاب العمل، وتقتضي الأخوة أن يكون المطعم والملبس واحدا على سبيل المواساة لا المساواة من كل جهة، فأنه ينبغي لرب العمل أن يقدم لخدمه أو عماله أو أجرائه طعاما من جنس طعامه مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس) رواه البخاري ومسلم، أي من جنس ما يأكل وجنس ما يشرب.
5ـ حق الوفاء بالأجر
لكل عمل اجر، والأجر على العمل والخدمة حق أوجبه الإسلام بالمعروف، والمبدأ العام في الإسلام أن الجزاء على قدر العمل فإذا أدى الأجير عمله استحق أجره وافيا فإذا قصر رب العمل في ذلك فعلى الدولة أن تحميه من العدوان عليه أو الاحجاف به، لان هذا من وظيفتها، وقد حث الرسول الكريم على إعطاء الأجير أجره فقال: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجه وقال:(ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) وذكر منهم (ورجل استأجر أجيرا فلم يوفه أجره).
ومن باب آخر فإن للعمل في منظور الاسلام فوائد كثيرة بعضها دنيوي وبعضها أخروي، ومن ذلك:
1ـ العمل يصون ماء وجه العامل من ذل السؤال.
2ـ العمل يهيئ المجتمع والفرد الصالح.
3ـ العمل يورث العفة ويحفظ كرامة العامل.
4ـ العمل طريق موصل إلى محبة الله ورضاه.
5ـ العمل سبب سعادة العامل في الدارين.
6ـ العمل سبب في فوز العامل بالجنة والنجاة من النار.
7ـ الأخلاق في العمل تثمر خشية الله عز وجل.