حوار وطني فعال حول ضريبة الدخل
بعد إقرار قانون ضريبة الدخل المعدل العام 2014 مباشرة، عاد الحديث عن الحاجة لإعادة النظر في القانون لأن الحكومة لم تكن راضية عن القانون كما أقره البرلمان، وأنا كنت قد استغربت كثيرا الأداء الحكومي في التعامل مع مشروع القانون المعدل وهو قيد النقاش في مجلس النواب، وقد شاركت في كل اجتماعات اللجنة المالية للمجلس التي كان يحضرها مدير عام الضريبة وأحيانا وزير المالية. فقد تركت الحكومة مسؤولا فنيا بلا دوافع ولا مسؤولية سياسية في الحلبة مع لجنة نيابية ليس لديها دافع سوى الشعبوية.
كان التعديل الأهم هو خفض الدخل السنوي المعفى من الضريبة للأسرة من 24 ألفا إلى 18 ألف دينار، ولم تردّ اللجنة الاقتراح فحسب، بل أضافت فوق الـ24 ألف دينار مبلغ 4 آلاف دينار إعفاء على النفقات الصحية والتعليمية. وبقية التعديلات لم تذهب كما أرادت الحكومة، فقد تم الوصول لحل وسط حول الضريبة على البنوك (30 %) وتوحيدها عند أدنى حد (15 %) على قطاعات أخرى، وما تبقى تعديلات فنية غير ذات أهمية، وبالمحصلة فالمشروع الذي كان يجب أن يزيد عوائد الدولة من ضريبة الدخل انتهى الى العكس. وقد حاولت تقديم مقترحات ذات محتوى إصلاحي عميق، وهي تفرض على الدائرة تطويرا شاملا في الأداء قال المدير إن جهاز الدائرة غير قادر عليه.
الحكومة الحالية تحدثت عن مشروع التعديل لتوسيع الشرائح المشمولة بالضريبة من العام الماضي، لكنها تراجعت أمام احتجاج النواب والرأي العام وتحولت الى ضريبة المبيعات، والآن تعود لتنفيذ التزامها مع صندوق النقد لتخفيض الإعفاءات وشمول شرائح إضافية بالضريبة (الإعفاء يشمل أول 16 ألف دينار؛ أي 8 آلاف دينار للفرد بدلا من 12 ألف دينار)، وحسب التقديرات، فهذا سيحقق 150 مليون دينار إضافية من ضريبة الدخل، وهو أقل من ثلث ما يفترض أن يحققه الرفع الذي جرى على ضريبة المبيعات التي قد تشهد عمليات توسيع جديدة هذا العام، وهو ما يذهب قدما وبالضد تماما من رأينا الذي كررناه هنا كثيرا بوجوب تعظيم العوائد من ضريبة الدخل بدل ضريبة المبيعات.
نائب رئيس الوزراء، جعفر حسان، قال في لقاء مع منتدى الاستراتيجيات الأردني قبل أيام، إنه ينبغي التفكير في تحسين نظام ضريبة الدخل حتى نصل الى نقطة نستطيع فيها تخفيض ضريبة المبيعات. وهو كان يرد على رأي أصدره المنتدى ينتقد الاعتماد الأوسع على ضريبة المبيعات بدلا من ضريبة الدخل، والمنتدى أصدر دراسة حول ضريبة الدخل والمبيعات توضح الأثر السلبي على الاقتصاد من توسيع ضريبة المبيعات وتقدم مقارنات مع دول مختلفة تتراوح فيها ضريبة المبيعات بين 15 % و45 % نسبة الى مجموع العبء الضريبي مقابل ما يقارب 70 % في الأردن.
نريد أن نسمع من الحكومة أنها مقتنعة بوجهة النظر هذه؛ أي وجوب تعديل التوازن بين الضريبتين، لكن د. حسان يترك الموضوع للمستقبل، والمستقبل لن يأتي بتغيير إذا لم نضع التعديلات الجذرية الضرورية في نظام ضريبة الدخل، وهي تشمل جانبين؛ الأول رفع نسبة الضريبة على الدخول العالية أكان للأفراد أو الشركات، وليس هناك معلومات بأن القانون الجديد سيفعل ذلك، والثاني كفاءة التحصيل ومكافحة التهرب وليس هناك معلومات سوى تشديد العقوبات، وهي طريقة غير فعالة، وكنا قد اقترحنا مرارا تحويل الجزء الأكبر من الإعفاءات لتكون على النفقات، فهذا يضمن إجبار مقدمي السلع والخدمات على إعطاء فواتير، والعملية برمتها يمكن أن تكون إلكترونية وعلى شبكة ربط لا تستدعي جهدا في تدقيق ورقي وستشجع تحول الجميع الى الدفع بالبطاقة.
على كل حال، يجب أن ندخل في حوار وطني فعال وشفاف حول المشروع الجديد قبل تقديمه لمجلس النواب.
الغد - الاربعاء 2/5/2018