أجمل ما في كتاباتك: عيناك!
-1-
سألته بعد أن أرسلت له خاطرة ذكّرته بموضوع إنشاء لطالب كسول في الصف السادس الابتدائي، دأب على مسح أنفه بطرف كمه: ما رأيك في كتابتي؟
حار الفتى فيما يقول، وخشي إن صارحها بالدرك الذي وصلته اللغة على يديها، أن تطير «العصفورة» من بين يديه، فهي تتمسح به منذ فترة، آملة أن يعلمها الكتابة، ويعينها على نشر «روايتها!» الأولى التي لم تكتبها بعد، كان يود أن يهمس في أذنيها: أجمل ما في كتاباتك عيناك! لكنه خشي أن تحسن فهمه، لا أن «تفهمه خطأ» فلا يعرف كيف يصلح ما قد يخرب من علاقة، أمل منها الكثير، وبنى عليها أحلاما وافرة!
قال لها بعد طول تأمل، وقد ملأ الورقة التي كتبت عليها خاطرتها، بخطوط كثيرة تحت عدد وافر من الكلمات: بالنسبة لك، كمحاولة أولى لا بأس بها!
لم يعجبها الجواب، فمالت برأسها وقالت بنظرة عتب، شحنتها بالكثير من الدلال: يعني ما في أمل؟
قال، تحت تأثير طاقة تفجرت فجأة في داخله، وقد قرر بحزم أن يخون ضميره الأدبي، ويزلزل عظام الزمخشري في قبره: بالعكس، ما كتبته يا عزيزتي يبشر بمولد قلم نسائي فاتن، تملأه الأنوثة الطاغية، يدير أعناق القراء، ويفجر في أعماقهم ينابيع الشغف بالقراءة حتى آخر تنهيدة في خاطرتك!
انتعشت الصبية، وإن لم يفتها – بحس الأنثى - المعاني المختبئة ما بين السطور، فهي أيضا تشاطر أديبها بعض هواجسه البعيدة، وإن كانت ترغب بشدة أن ترى اسمها منقوشا على غلاف كتاب، شأنها شأن عشرات «المؤلفات» الصبايا، ففلانة وعلانة «مش أحسن منها» وهي أجمل منهن جميعا، وقادرة على أن تسبقهن في ميدان الأدب وحتى قلة الأدب إن لزم الأمر، وتجمع أكثر بكثير مما جمعته كل منهن في حفل توقيع روايتها الأولى!
-2-
بعد مرور عدة أشهر..
أصبحت «الكاتبة» الشابة نجمة من نجوم «فيسبوك» واستطاعت أن تجمع في غضون أشهر قليلة الآلاف من «الفولورز» ومثلهم من المعجبين، بل إنها ما تكاد تضع «البوست» على حائط صفحتها، حتى تنهال عليها «اللايكات» من كل حدب وصوب، وكذلك التعليقات، من قبيل: أبدعت يا النشمية، وصح لسانك، ويسلموا هالأنامل، وشيئا فشيئا تحولت الكاتبة الهاوية إلى كاتبة «محترفة»، إذ حرصت –لزوم التسويق- أن تضع مع كل «بوست» صورة مختارة لها، فيها «طعجة» خبيثة، تجتهد أن تكون لافتة لنظر الذباب الذي يثيره منظر الحلوى، فيتقاطر عليها ليفوز بما يشبه «تذوق» ولو شيئا من «سكّرها» الموهوم!
-3-
ألم أقل لك أنك ستكونين كاتبة ذات شأن؟
قال لها، فقالت: كله بفضل «مساعدتك» وغمزت بطرف عينيها!
ضحك كثيرا، وضحكا معا، ثم قال: متى موعد توقيع كتابك الثاني؟
قالت بخبث: حينما تنتهي من «تنقيح» بروفته الأولى، سأدفع به للطباعة فورا، وسنحدد سويا موعد التوقيع!
والآن، سأعترف لك بشيء يا عزيزتي، قال، وقد أيقن أنها لن تسيء فهمه على الإطلاق، الحقيقة أن أجمل ما في كتاباتك.. عيناك!
ضحكا معا، وبدأ يكتب «تقريظا» يليق بكتابها الثاني، كي يزين غلافه الأخير، إضافة لصورة لها، تنادي كل من يراها لقراءة «إبداعها» بشغف!
الدستور - الجمعة 4/5/2018