العودة الى قانون الدين العام
علينا أن نأخذ تصريحات نائب رئيس الوزراء، د. جعفر حسان، التي قال فيها "لا يمكن الاستمرار في المزيد من الاستدانة ومضاعفة تكاليف المديونية"، مطلع الأسبوع الماضي، وأعاد وكرر المعاني ذاتها في المؤتمر الاقتصادي الأخير على محمل الجد هذه المرة، فنحن اليوم أمام خيارات مصيرية بعيدا عن الترف الفكري للطبقة السياسية يقضي بتحويل مطلب وقف نهج الاستدانة الى قضية رأي عام تلزم الحكومة على وقف القروض الجديدة على أقل تقدير للسنوات الأربع المقبلة لأنه بالفعل اذا ما استمررنا في المزيد من الاستدانة تحت حجة ومبررات تحفيز النمو وسداد الديون السابقة سنسير باتجاه الأزمات الاقتصادية والمالية الكبرى التي خبرها الأردن في سنوات نهاية الثمانينيات وفي النصف الأول من التسعينيات وربما أكبر من ذلك.
إن المزيد من أعباء خدمة الدين العام، جعل القيمة المضافة للديون في تحفيز النمو أو الوفاء بالالتزامات والإنفاق الرأسمالي متواضعة مقارنة مع أعباء هذه الديون التي ستوصلنا في وقت ما الى العجز عن الإنفاق على الالتزام بالنفقات الأساسية. لقد حان الوقت لمناقشة وطنية جادة ومسؤولة حول هذه المسألة.
كارثة الديون دشنت بسياسات رسمية وبقرارات اتخذتها الحكومات ما يتطلب العودة الى قانون الدين العام؛ أي العودة الى وضع سقف للديون العامة بمعنى الحاجة الى إرادة سياسية وطنية تقول إن علينا إيقاف الديون الخارجية والداخلية على أقل تقدير لمدة أربع سنوات، تنص المادة (23) من قانون الدين العام الصادر العام 2001: "على الرغم من أي نص مخالف لا يجوز أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات علـى (80 %) من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للسنة الأخيرة التي تتوافر عنها البيانات"، وفي العام 2008 لحقت بهذا القانون تعديلات جديدة، ثم قام مجلس الوزراء بإصدار قرار بوقف العمل بالمواد المعدلة، وفي العام 2014 عاد المجلس وحدد مدة ثلاث سنوات لوقف العمل بهذه المواد، وفي 2015 جاء الديوان الخاص بتفسير القوانين بقرار غامض منح الحكومة حق التصرف بتحديد المدة التي تشاء؛ أي أن تقترض كيفما تشاء، وهكذا دشنا كارثة الديون، ولا ندري أين كان البرلمان وما موقفه اليوم من قانون الدين العام.
في مقابل الضرورة القصوى للعودة الى أصل قانون الدين العام الذي يفترض ألا تتجاوز الديون 60 % من الناتج الإجمالي من دون التفريط في الحاجة الى الاستمرار في الإنفاق العام المعقول الذي يخدم تحفيز الاقتصاد وزيادة قدرته على توليد الفرص الجديدة سواء في الاستثمار أو في التشغيل والعمل، فإن هناك ثلاثة محركات أخرى ما تزال الحكومات تتعثر أمامها رغم إدراك الجميع أنها الأساس المتين لخلق بيئة اقتصادية جديدة وبناء قاعدة إنتاجية وطنية قابلة للحياة؛ الأول وقف النقاش الذي لا ينتهي حول الضريبة بقانون عصري عادل يستعيد القاعدة الدستورية بتصاعدية الضريبة ويتضمن إجراءات صارمة بوقف التهرب الضريبي، الثاني: الدمج الجزئي للمؤسسات العامة المستقلة في هياكل الحكومة ما قد يوفر نحو نصف مليار دينار سنويا، وهذا لا يعني النظرة المتطرفة نحو المؤسسات المستقلة، فبعضها لا يمكن أن يؤدي دوره من دون هذه الاستقلالية، الثالث: إطلاق استراتيجية وطنية لمدة ثلاث سنوات لتنظيم القطاع الاقتصادي غير المنظم أو غير الرسمي الذي بات يشكل نحو 40 % من الاقتصاد والذي ينمو من دون تسجيل ومن دون ضرائب ومن دون أي ضوابط.
الغد - الاحد 6/5/2018