الديمقراطية والضريبة
ستحول الحكومة قانون ضريبة الدخل الى النواب، وسيسخن المناخ السياسي بمعدلات غير مسبوقة تضاهي طقس هذه الأيام. وما يصدر حتى الآن من النواب يشير الى معارضة تتسع وتتغذى أيضا على المعارضة الواسعة من الأوساط التجارية والصناعية والمالية، وأيضا موقف المختصين الاقتصاديين والماليين بشؤون الضريبة؛ حيث لم أقرأ حتى الآن سوى مواقف انتقادية لمشروع القانون الجديد؟ فكيف يمكن للحكومة أن تمرر عند النواب مشروع قانون يحظى بكل هذه المعارضة؟!
كانت أوساط نيابية قد تحدثت عن ضغوط حكومية تلوح بتقديم قانون الانتخاب الى الدورة الاستثنائية بديلا لقانون الضريبة بما يعني بعد ذلك حل مجلس النواب وانتخابات جديدة، لكن أشك بجدية هذا الكلام أو فعاليته في التأثير على النواب إن صح. والأصح أن تفكر الحكومة في توفير أدوات حوار وطني قوي بالتزامن مع بحث النواب للأمر لأن تأثير هذا الحوار العام على المجلس سيكون قويا وسيخفف عبء القرار على النواب وفق ما يدفع به هذا الحوار نحو مقاربات مختلفة أو معدلة للقانون.
لكن دعونا نتأمل قبلا في الإشكالية السياسية الاجتماعية للديمقراطية التي تثيرها هذه القضية، فلو تركنا الأمر لرغبات الناس، فليس هناك من يحب أن يدفع فلسا واحدا للضريبة، وهكذا لو ترك الأمر للخيار الديمقراطي التصويتي للشعب أو ممثليه فسوف نلغي الضريبة كاملة بدل زيادتها، وهو بالطبع أمر غير معقول بالنسبة للدولة. لكن في أي ديمقراطية فإن ممثلي الشعب الذين يشكلون أغلبية ويستلمون الحكومة سيتصرفون بالمسؤولية المفترضة ويصوتون من أجل ضرائب تحقق للدولة الواردات الضرورية وتنفيذ سياسة اقتصادية معينة وفق رؤيتهم وبرنامجهم. والحال عندنا ليس كذلك طبعا، فالنائب ليس صانع الحكومة ولا يشعر بمسؤولية تجاهها، وهو إذا سار مع التوجه الحكومي فلأنه يشخص مصلحته بهذه الطريقة ويوازن كلما دعت الحاجة بين هذا الاعتبار واعتبارات الشعبية، وبهذه المناسبة فمن المرجح أن تجد أغلبية ساحقة من النواب صعوبة فائقة في السير مع الحكومة أكان بسبب الشعبية أو لقناعات حقيقية في سلامة الطرح الذي يتضمنه قانون الضريبة.
هناك معركة للحكومة في أوساط الرأي العام ومع الفاعلين المهتمين بالشأن العام لتوضيح موقفها والدفاع عن خياراتها، ويجب أن توفر الأدوات لها، وإن شخصا مثل معن القطامين يمثل جبهة إعلامية كاملة فقط من خلال فيديوهاته الشهيرة الانتقادية لأداء الحكومة، وخصوصا في المجال الضريبي، ولا يبدو لي أن الحكومة تملك الأدوات القادرة على مواجهته، وهو بالفعل تحدى الحكومة أن ترد على ملاحظاته الملموسة على طروحاتها ولم تفعل، بينما يجب أن تنزل بكل ثقلها في الميدان وليس بالضرورة ودائما من خلال الوزراء بل خبراء في الاقتصاد وفي الشأن العام وليس بالضرورة للدفاع عن حرفية القانون بل التوجهات الأساسية فيه والقابلة للتعديل بصورة معقولة. وعلى سبيل المثال، فإنني ممن يؤيدون بقوة التصاعدية ورفع سقف الضريبة، ولا أرى التضحية بهذا المبدأ بسبب الاعتراض على بنود أخرى.
بالإجمال نحن من الدول التي تأخذ معدلا متوسطا من الضريبة (21 % من الناتج الإجمالي ولا أعرف لماذا عادت الحكومة تتحدث عن 15 %)، وفي دولة مثل سويسرا تصل الضرائب الى 50 %، وفي الدنمارك 49 %، والسويد 48 %، وفرنسا 46 %، وفنلندا 44 %، وهولندا 40 %...الخ، لكنها في دول شديدة التخلف مثل أفغانستان تصل الى 6 % وأنغولا 5 %، وهذا الانخفاض يعكس فشل الدولة وفشل التنمية. الاقتصاد الأردني حاليا لا يحتاج الى زيادة نسبة الضريبة الى الناتج المحلي الإجمالي، بل الى تعديل الهيكل الداخلي لهذه النسبة بين الفئات الاجتماعية.
الغد - الثلاثاء 22/5/2018