الأتمتة ونظم المعلومات والتهرب الضريبي
تقدم الحكومة الحالية نفسها على أساس أن إحدى أبرز أولوياتها الإصلاح الإداري؛ وهذا هو المطلوب ويا هل ترى كم أنجزت في هذا المجال منذ ذلك الوقت الى اليوم؟ والأهم هل يعكس مشروع قانون ضريبة الدخل فلسفة وأهداف الإصلاح الإداري في حده المفترض، وفي هذا الصدد تبرز مسألة الأتمتة وتطوير نظم المعلومات والشبكات كأحد أبرز الحلول في الإصلاح الإداري وتحديدا في مواجهة الفساد وخصوصا في معالجة مشكلة التهرب الضريبي، وفي الحقيقة مر مشروع القانون الجديد سريعا على هذه المسألة التي لا تحتاج الى مجرد إصلاحات تشريعية بل الى إجراءات عملية واستثمار طويل الأجل.
لقد أثبتت تجارب الكثير من الدول، أن الأتمتة التي تعمل على تخفيف الإجراءات الإدارية إلى أدنى مستوى، والتقليل من احتكاك المواطن بالموظّفين، يسهمان بشكل فعال في وقف أشكال متعددة من الفساد، ويحدان بشكل كبير من هدر التهرب الضريبي، في الحالة الأردنية نجد أن ضريبة الدخل تحصل نحو 940 مليون دينار، نحو 90 % منها تأتي من الشركات العامة المساهمة والموظفين والمستخدمين، بينما هناك مشكلة كبرى في القطاع الخاص والقطاعات المهنية الفرعية التي تصل نسب التهرب في بعضها الى نحو 80 %، أن شبكة من نظم المعلومات والإجراءات المؤتمتة إلكترونيا سوف تدشن نظاما عنقوديا في الإجراءات والمعاملات المتداخلة التي تصب في نهاية الأمر بالضريبة.
الحلول التي يقترحها القانون وأغلبها عقابية، والحلول الأخرى التي يطرحها الخبراء مثل الفوترة، لن تكون مجدية بدون ثورة حقيقية في مجال الأتمتة الإدارية وبناء شبكات ونظم المعلومات، فتفعيل الفاتورة الشرائية وحده يحتاج إلى سنوات طويلة حتى نحدث تغييرا في ثقافة وسلوك المستهلكين، ولكن سيكون الأمر أكثر جدوى حينما يتم ضبط البضائع والخدمات إلكترونيا، ما يتيح متابعة ومراقبة حركة البضائع إلكترونيا والتعرف على الحجم الحقيقي للمبيعات ومحاسبة التجار والشركات ضريبيا على هذا الأساس، وهذا ينسحب أيضا على تنظيم سجلات محاسبية موثقة إلكترونيا، وينسحب أيضا على قطاعات واسعة من مقدمي الخدمات الذين يمكن ضبط سجلاتهم وزيادة الشفافية في تقدير حجم العمل والثروات.
إن تغيير الثقافة العامة نحو الضريبة والفاتورة أمر مرتبط بتغير بعض الإجراءات التنفيذية وإصلاح الإدارة الضريبية عبر الأتمتة، وعلينا أن نعترف بعدم وجود خبرات محلية كافية في هذا المجال، وعلينا الاستفادة من بيوت خبرة عالمية، والاستثمار في تطوير بنية تحتية إلكترونية تؤسس لنظم معلومات كفؤة.
إن الاستثمار طويل الأجل في التحول الرقمي والأتمتة سوف ينعكس بفروق هائلة على نوعية حياة المواطنين وعلى كفاءة الدولة. الجيل الذي دخل المدارس في الأردن مع بدايات مبادرات تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد المعرفي أصبح حاليا في سوق العمل، ومع هذا ما يزال استخدام الحاسوب والأتمتة الكاملة وشبه الكاملة في المعاملات الرسمية في مستويات متدنية ولا يتجاوز 20 %. هناك مقاومة لتطبيق الحكومة الإلكترونية في الإجراءات الرسمية، وعلى الرغم من التقدم الذي طرأ في آخر عامين، إلا أن الطريق ما تزال طويلة.
من جهة أخرى، علينا أن نتذكر أن الأردن من بين الدول القليلة في المنطقة المشاركة في المبادرة العالمية للحكومة المفتوحة؛ حيث لم ننجز ما يستحق الذكر في هذا الصدد، ما يستدعي أن نفكر مليا بمرفق المعلومات العامة وكيف أن إتاحة المعلومات بسهولة ويسر للمواطنين ووسائل الإعلام ستسهل في الحد من الفساد الضريبي.
الغد - الاثنين 28/5/2018