من وراء شباب الرابع؟

تم نشره السبت 09 حزيران / يونيو 2018 12:47 صباحاً
من وراء شباب الرابع؟
د باسم طويسي

سوف يمضي وقت طويل والبعض يبحث عن نظرية تفسيرية لما حدث على الدوار الرابع، فما يزال هناك من يختلف ويناقش حول ما حدث في نيسان من العام 1989، وبدون شك نحن أمام لحظة تاريخية فارقة لا تقل أهمية وتأثيرا عما حدث قبل نحو ثلاثة عقود، فمن المفترض أن "العدس الأردني قد استوى" بعد واحدة من أطول مراحل الانتقال السياسي والاقتصادي التي شهدتها المجتمعات في التاريخ الحديث، فكما يقال إن الثورات غير المكتملة قد تكون تراجعا الى الخلف، فإن الانتقالات والتحولات غير المكتملة أيضا لا تُخلف إلا الفشل؛ وهذا ما حدث لبلدنا على مدى العقود الماضية منذ 1989 حينما بقينا نجرب ونداري الأخطاء ونكنس تحت السجادة في مرحلة انتقالية صعبة ومعقدة.

الجيل الذي ولد بعد 1989 هم من حرك البحيرة الأردنية الراكدة، هؤلاء هم الشباب الذين كبروا بدون أن ندري، واكتشفنا على غفلة أنهم يفهمون التنمية والعدالة وتكافؤ الفرص ومصادر الفساد أكثر منا جميعا، وهم اليوم يشكلون ظاهرة شبابية جديدة تنطوي على جل مشكلاتنا وتعكس تعقيد المشهد الأردني، وفيها أيضا الكثير من الحلول.

ثمة سؤال تردد خلال الأيام الأخيرة؛ من يقف وراء هؤلاء الشباب وهل بالفعل هذه الحشود كانت قادرة بالفعل على تنظيم نفسها وتطوير خطابها ومطالبها بدون قيادات ورؤوس، في الوقت الذي كان واضحا أن هناك فصلا بين الحركة الاحتجاجية للنقابات وبين الحركة الاحتجاجية للشارع التي وصلت إلى أعلى تجلياتها في احتجاجات شباب الدوار الرابع. كالعادة ظهرت في سوق الإشاعات والكلام المرسل نظريات تهاوت بسرعة.

بدون شك، إن الظاهرة الشبابية الجديدة شكلت صدمة للكثير من الاعتقادات والقناعات السابقة، وعكست ضعف فهمنا لديناميات حركة الطبقة الوسطى وأزمتها، لقد أثبتت لحظة التحول الأردني الجديدة أن الطبقة الوسطى لم تنكمش كما كانت تتحدث الدراسات التقليدية، بل على مدى ثلاثة عقود نمت وتوسعت ولكنها حملت أزمة عميقة في داخلها وتشوهات كبيرة، ومن تعبيرات هذه الأزمة التشوه الكبير في مكانة الشباب الاقتصادية والسياسية والثقافية ودورهم ومشاركتهم في الحياة العامة.

كنا على مدى السنوات الماضية نتحدث عن أزمة معقدة في مشاركة الشباب في الحياة العامة، فقد وصلت هذه الأزمة إلى أقصاها؛ عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة يشكلون ما نسبته 29 % من مجموع السكان، وعلى الرغم من أن جهودا بذلت خلال السنوات الماضية من مختلف الجهات لاستقطاب الشباب وتفعيل دورهم في الحياة العامة، إلا أن حجم مشاركة الشباب في الحياة العامة بقي متدنياً ومحدوداً وغير فاعل، سواء تلك المتعلقة بمشاركتهم الفعلية في صناعة القرارات التي تزيد من دورهم في تحقيق تطلعاتهم التنموية والمستقبلية الفعلية، أو قدرتهم على إسماع أصواتهم بمختلف الوسائل. لقد أوضحت الدراسات المسحية تدني نسب الانخراط في العمل التطوعي وسط الشباب الأردني؛ حيث لا تتجاوز 1.4 %، لقد وفر قانونا الانتخاب للعام 2016 واللامركزية 2016 فرصة للشباب للمشاركة في صناعة القرار من خلال توسيع قاعدة المشاركة الانتخابية البرلمانية وتوسيع فرص وصول الشباب إلى مجالس المحافظات المحلية، إلا أن الحصاد كان بائسا سواء في أعداد الذين وصلوا الى المجالس التمثيلية أو الذين شاركوا في العمليات الانتخابية؛ حيث لم تتجاوز نسبتهم 30 % ممن يحق لهم الاقتراع.

ما حدث على الدوار الرابع هو شكل آخر للمشاركة بأدوات جديدة، حينما تعجز الأدوات التقليدية عن توفير مشاركة فعلية يلجأ الناس لتطوير أدواتهم الخاصة للتعبير والمشاركة، وهذا ما حدث لدينا بالفعل؛ وخلاصته أن أدوات المشاركة التقليدية كانت شكلية وفارغة من المضمون وعاجزة ولم تكن بالكفاءة التي تدفع الشباب لاختبارها، لذا مارسوا إهمالها على مدى سنوات طويلة، ومع استمرار تراجع المكانة الاقتصادية والسياسية للشباب كان لابد من أدوات جديدة.

من يقف خلف شباب الرابع، هو فشل نهج من السياسات الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث لا يمكن أن تبقى الغشاوات على عيون الناس الى الأبد.

الغد - السبت 9/5/2018



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات