من وراء شباب الرابع؟
سوف يمضي وقت طويل والبعض يبحث عن نظرية تفسيرية لما حدث على الدوار الرابع، فما يزال هناك من يختلف ويناقش حول ما حدث في نيسان من العام 1989، وبدون شك نحن أمام لحظة تاريخية فارقة لا تقل أهمية وتأثيرا عما حدث قبل نحو ثلاثة عقود، فمن المفترض أن "العدس الأردني قد استوى" بعد واحدة من أطول مراحل الانتقال السياسي والاقتصادي التي شهدتها المجتمعات في التاريخ الحديث، فكما يقال إن الثورات غير المكتملة قد تكون تراجعا الى الخلف، فإن الانتقالات والتحولات غير المكتملة أيضا لا تُخلف إلا الفشل؛ وهذا ما حدث لبلدنا على مدى العقود الماضية منذ 1989 حينما بقينا نجرب ونداري الأخطاء ونكنس تحت السجادة في مرحلة انتقالية صعبة ومعقدة.
الجيل الذي ولد بعد 1989 هم من حرك البحيرة الأردنية الراكدة، هؤلاء هم الشباب الذين كبروا بدون أن ندري، واكتشفنا على غفلة أنهم يفهمون التنمية والعدالة وتكافؤ الفرص ومصادر الفساد أكثر منا جميعا، وهم اليوم يشكلون ظاهرة شبابية جديدة تنطوي على جل مشكلاتنا وتعكس تعقيد المشهد الأردني، وفيها أيضا الكثير من الحلول.
ثمة سؤال تردد خلال الأيام الأخيرة؛ من يقف وراء هؤلاء الشباب وهل بالفعل هذه الحشود كانت قادرة بالفعل على تنظيم نفسها وتطوير خطابها ومطالبها بدون قيادات ورؤوس، في الوقت الذي كان واضحا أن هناك فصلا بين الحركة الاحتجاجية للنقابات وبين الحركة الاحتجاجية للشارع التي وصلت إلى أعلى تجلياتها في احتجاجات شباب الدوار الرابع. كالعادة ظهرت في سوق الإشاعات والكلام المرسل نظريات تهاوت بسرعة.
بدون شك، إن الظاهرة الشبابية الجديدة شكلت صدمة للكثير من الاعتقادات والقناعات السابقة، وعكست ضعف فهمنا لديناميات حركة الطبقة الوسطى وأزمتها، لقد أثبتت لحظة التحول الأردني الجديدة أن الطبقة الوسطى لم تنكمش كما كانت تتحدث الدراسات التقليدية، بل على مدى ثلاثة عقود نمت وتوسعت ولكنها حملت أزمة عميقة في داخلها وتشوهات كبيرة، ومن تعبيرات هذه الأزمة التشوه الكبير في مكانة الشباب الاقتصادية والسياسية والثقافية ودورهم ومشاركتهم في الحياة العامة.
كنا على مدى السنوات الماضية نتحدث عن أزمة معقدة في مشاركة الشباب في الحياة العامة، فقد وصلت هذه الأزمة إلى أقصاها؛ عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة يشكلون ما نسبته 29 % من مجموع السكان، وعلى الرغم من أن جهودا بذلت خلال السنوات الماضية من مختلف الجهات لاستقطاب الشباب وتفعيل دورهم في الحياة العامة، إلا أن حجم مشاركة الشباب في الحياة العامة بقي متدنياً ومحدوداً وغير فاعل، سواء تلك المتعلقة بمشاركتهم الفعلية في صناعة القرارات التي تزيد من دورهم في تحقيق تطلعاتهم التنموية والمستقبلية الفعلية، أو قدرتهم على إسماع أصواتهم بمختلف الوسائل. لقد أوضحت الدراسات المسحية تدني نسب الانخراط في العمل التطوعي وسط الشباب الأردني؛ حيث لا تتجاوز 1.4 %، لقد وفر قانونا الانتخاب للعام 2016 واللامركزية 2016 فرصة للشباب للمشاركة في صناعة القرار من خلال توسيع قاعدة المشاركة الانتخابية البرلمانية وتوسيع فرص وصول الشباب إلى مجالس المحافظات المحلية، إلا أن الحصاد كان بائسا سواء في أعداد الذين وصلوا الى المجالس التمثيلية أو الذين شاركوا في العمليات الانتخابية؛ حيث لم تتجاوز نسبتهم 30 % ممن يحق لهم الاقتراع.
ما حدث على الدوار الرابع هو شكل آخر للمشاركة بأدوات جديدة، حينما تعجز الأدوات التقليدية عن توفير مشاركة فعلية يلجأ الناس لتطوير أدواتهم الخاصة للتعبير والمشاركة، وهذا ما حدث لدينا بالفعل؛ وخلاصته أن أدوات المشاركة التقليدية كانت شكلية وفارغة من المضمون وعاجزة ولم تكن بالكفاءة التي تدفع الشباب لاختبارها، لذا مارسوا إهمالها على مدى سنوات طويلة، ومع استمرار تراجع المكانة الاقتصادية والسياسية للشباب كان لابد من أدوات جديدة.
من يقف خلف شباب الرابع، هو فشل نهج من السياسات الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث لا يمكن أن تبقى الغشاوات على عيون الناس الى الأبد.
الغد - السبت 9/5/2018