تحدّي التشكيل!
مع أنّ التسريبات "نادرة" جداً عن "عملية التشكيل"، إلاّ أنّ التحليل المنطقي في تفسير ما يحدث هو طبيعة الحكومة الجديدة، التي من المفترض أن تضم نخباً وشخصيات من خارج "العلبة التقليدية"، من بينهم ممثلون عن قطاع الشباب، وهذا بحدّ ذاته تحدًّ حقيقي في ضوء عدم وجود ماكينات وديناميكيات تساعد على عملية الفرز المطلوبة لجيل الشباب وقدراتهم، سواء داخل المؤسسات البيروقراطية أو حتى الأحزاب السياسية التقليدية، أو العديد من مؤسسات المجتمع المدني، مثل الجامعات المنتشرة في أرجاء الوطن.
نحن لا نتحدث عن تشكيل حكومة من أحزاب سياسية وقوى لها مؤسسات وهياكل راسخة، ولا توجد عملياً تقاليد ثابتة في تشكيل الحكومات على هذا الأساس في الأردن غير الاختيار من العلبة وعلى قاعدة المحاصصة الجغرافية، ودوائر المعارف، ما يصعب من عملية "تجديد" الدماء في النخبة الرسمية واستدخال شباب وشخصيات غير تقليدية إليها.
وفي الوقت الذي أٌعطي الرئيس الضوء الأخضر في اختيار طاقمه الوزاري، فإنّ المسألة ليست بهذه البساطة والسهولة، فالشخصيات التي يتم اختيارها تخضع لفرز على أكثر من مستوى وتقييم من أكثر من زاوية، بخاصة عندما نتحدث عن الأسماء "غير المجرّبة" سابقة، أو الشباب، الذين كانوا أقرب إلى النزعة النقدية في آرائهم ومواقفهم السياسية أو حتى الاقتصادية.
ولادة الحكومة بهذه الطبيعة الجديدة المفترضة، سواء على صعيد الظروف السياسية أو التشكيلة أو حتى النهج الإصلاحي الذي وعد به الرئيس، في ظل غياب التقاليد التي تسهّل ذلك، وعدم ملاءمة الآليات التقليدية، تجعل التشكيل أكثر صعوبة وإرباكاً.
هاجس الرئيس المكلّف الأساسي يتمثّل – كما عبّر عنه في أكثر من لقاء- هو تشكيل فريق حكومي يجمع بين الأبعاد السياسية والتكنوقراطية، ويتوافر على قدر كبير من التوافق (الهرموني) الحكومي، ليشترك الفريق بأسره في صناعة القرارات ورسم السياسات ويتحدث لغة واحدة متناغمة، ويتجنب ما وقعت فيه الحكومات السابقة من تشظ سياسي، لدرجة أنّ كل وزارة كانت تعمل منفردة وكأنّها في جزيرة معزولة، ما انعكس على الأداء السياسي للحكومة وعلاقتها بالشارع، وأدى إلى انهيار كامل في شعبيتها في استطلاعات الرأي العام.
هذه الشروط التي وضعها الرئيس مهمة. لكن ما لا يقل أهمية عنها أن تركب هذه الكفاءات على الماكينة البيروقراطية بصورة سلسة وأن تتناغم مع المؤسسات المعنية في الدولة، بما لا يؤدي إلى صدام مبكّر، أو انكشاف سياسي للحكومة، في بداياتها، وقبل المواجهة الساخنة الأولى المنتظرة مع مجلس النواب في اختبار الثقة.
حرص الرئيس المكلّف على تجنب هذا السيناريو (الصراع المبكّر) يدفعه إلى مزيد من المرونة مع مؤسسات القرار الأخرى، ما قد يرتد بصورة عكسية أيضاً على التشكيلة نفسها وعملية التركيب.
وفق التقديرات الرسمية من المتوقّع أن تكتمل صورة الحكومة اليوم، إذا لم يحدث تأخير جديد. لكن من المهم أن تتجاوز الحكومة سريعاً هذه الخطوة إلى الخطوة التالية في بناء البرنامج العملي والزمني المطلوب فأمامها تحديات جسام وشارع ينتظر وخصوم متربصون منذ البداية!
الغد - الخميس 15/6/2018