حكومة انقاذ وطوارئ ... اصبحت ضرورة..

تم نشره الأحد 09 كانون الثّاني / يناير 2011 12:29 صباحاً
حكومة انقاذ وطوارئ ... اصبحت ضرورة..
د. محمد احمد جميعان

ما جرى بالامس وما يجري الان ومنذ شهور خلت، من اعمال عنف يؤسف لها، تدمي القلوب وتعمق الشروخ في المجتمع وتفقد الدولة هيبتها ، ولكن الاسف لن يجد ولن يعالج ما جرى وما يجري وما سوف يجري .

والمعالجات الامنية والعقابية والعطوات العشائرية على اهميتها وضرورتها كمعالجات سريعة وتهدئة للخواطر، الا انها لن تضع حدا للعنف وتجدده في المجتمع بل وما قد يتطور ويتعقد ويترك اثرا قد لا ينفع معه العلاج ..

سبق وتحدثت في موضوع العنف المجتمعي وذكرت في حينه ان الاعتدال سنة الله في خلقه ، وهو الاساس لاستقرار البشرية وتطورها ، ولولاه لما بقي على الارض مخلوق ، اذ ان التطرف والجنوح للعنف انما هو خارج السياق البشري ، ويؤدي الى اشتعال الصراعات والعنف المجتمعي الذي يؤدي فيما لو استمر الى افناء جزء من البشر في الحروب والمناوشات ، ولكن الله لطف في عباده وجعل لهم هذه الفطرة ، ولو كانت الفطرة عكس ذلك لما بقيت البشرية ونمت بل كان فنائها من اول خلقها على الارض .

والعنف او استخدام القوة ُيدفع له الانسان دفعا ، ليخرج عن طوره وفطرته ، " وهذا الدفع اما ان يكون منظما ومؤطرا في تشريع الاهي كفريضةالجهاد التي هي من اجل دفع الظلم وتحصيل الحقوق وحماية العقيدة ، واما ان يكون مؤطرا في قانون ارضي ُتحدد من خلاله الدوله متى يلجأ الى القوة في حماية الدولة ودفع الاخطار عنها ، وفي كلا الحالتين يستنفر البشر في اطار منظم يخدم الهدف الاسمى لدفع الظلم وتحقيق العدالة ، ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ )

ولكن التطرف او العنف المجتمعي الذي يجنح اليه الفرد او الجماعة او الانفلات الجمعي غير المسيطر عليه انما هو الذي ُيدفع له الفرد او الجماعة في ظل ظلم او جور او حيف يمارس عليهم ، ناجم من تراكمات هذا الظلم في عقلية الفرد او في العقل الباطن الجمعي مما يدفعهم للتحرك الجمعي المتكرر تعبيرا عن هذا الظلم المختزن ، وقد ياتي على ابسط الاسباب او اتفهها والتي قد لا تكون سببا للاختلاف ولكنها في حالة الظلم المتراكم تصبح هذه الاسباب البسيطة بمثابة فتيل الاشتعال لمخزون الظلم المتراكم …


القدر هنا الذي يحكم الارض وسنن التغيير ربما يدفع الى التدافع والعنف لامر مقدر ، ولكن المنهج العلمي يقتضي ربط الاسباب بالمسببات كضرورة لمعرفة حقيقة العنف او التي تؤجج العنف ، وهنا نرى ان من يمارس الظلم ويساهم به لا يدرك احيانا انه يسير بهذا الاتجاه ،اوربما لا يريد ان يسمع لصوت من يتظلم ، او يصعب عليه ان يلتقط اشارات العنف المتقطع هنا وهناك ، وفي الاغلب ان الظالم بطبعه يستمرئ الظلم ويصبح امرا طبيعيا في صيروريته وجنون عظمته ُتعمى خلاله البصيرة وتتحرك معه غريزة الطمع والتجبر والاستبداد والاستهتار في آن واحد ، عندها تكون النتيجة تتمثل في الانفجار اوالحراك الجمعي لدفع الظلم او ما يطلق عليه الانفلات الامني الذي ربما لا ُتدرك نهايته.


لذلك فان من يتأمل بعمق وصفاء يجد ذلك الرابط القوي والتلازم المقترن بين العدل والاعتدال ،ليس بالتوافق اللفظي كمفردين لغويتين تتقاطع أحرفها فقط إنما في المحتوى والمضمون والجوهر، إذ أن العدل وممارساته حين يسود يؤدي إلى الاعتدال في المواقف والسلوك والمزاج ومواجهة الأخطار ويصبح معه منهج الوسطية المنشود طبعا ملازم للفرد او الجماعة تماما كما أن الوسطية والاعتدال في الطبع والموقف يجعل صاحبه اقرب إلى العدل منه إلى الظلم وشبهاته ومصائبه …


وما يعزز هذا التأمل أن العدل حين يمارس على البشر يريح النفس ويجعلها وسطا تقيس الأمور بمعايير العقل والمنطق وتتقبل القدروعثرات الزمان بل وهفوات من يظلمون بغير قصد أحيانا،في حين أن انعدام العدالة يفضي إلى التطرف والجنوح والخروج عن الفطرة ليس رغبة في ذلك كله بل دفعا للظلم وأهله وتحصيلا للحقوق في بعض الأحيان،او لعله القلق وعدم الاستقرار الذي تعيشه النفس حين تكون تحت وطأة الظلم فتلجأ إلى التخبط الذي قد يؤدي إلى العنف الفردي او المجتمعي .


وقد كان للعدل شأن لدى الحكماء في التاريخ حين جعل أساسا للملك والحكموالسياسة حيث قيل أن (العدل أساس الملك) ،وما ذلك إلا لقدر العدل وقيمته وتأثيره فيالنفس والمجتمع وحياة البشر وفي منهج الحكام والساسة في إدارة البلاد والعباد ،لذلك فقد نقشت في الذاكرة بعد إن كتبت مرارا وتكراراعلى الرقاع والورق وعبر التاريخ وجسدت في الواقع تجربة برهنت حكمة قائلها ، فرسخت في الذاكرة الشعبية بعمق وقوةوتأثير.

والعدل حين يسود تستقرالنفوس به ويهدأ البال عليه وتبدع العقول معه،وترتفع المعنويات حماسة للعمل والإنتاج فيتوسع الرزق و تتوزع معه مكاسب التنمية بين الجميع ، فتضيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويسهل تدارك الفقر ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد وتقبل الرأي الأخر ،وتصبح مع هذا العدل مفاهيم المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده قوانين تمنع وتضبط بل بمثابة القضاء غير المكتوب يمنع البعض من اللجوء إلى العنف طريقا للتمرد وتحصيل الحقوق. .


ان اهم مقومات العدل الذي هو اساس الاعتدال وعدم التطرف هو احساس الانسان بهويته وكيانه ومستقبله وهو يرفض ما يفرض عليه من تلون او تلاعب او فذلكات تمس مشاعره خارج فطرته وما تربى عليه في اسرته وعائلته وعشيرته ومسقط راسه ، كما ان التفاوت الاجتماعي الظالم والقاهر وسيطرة البعض القليل على مقدرات الكثرة الغالبه هي من اكثر الاسباب واعمقها للشعور بالظلم الذي يؤدي الى العنف المجتمعي ..


واذا كان لي من مخرج من هذه الدوامة ، وكمدخل الى بداية المعالجة اقول لحكومة دولة سمير الرفاعي، وقد تازم الامر في ظل عهدها ان تضع بين يدي جلالة الملك عبدالله الثاني استقالتها ، ليتم تشكيل حكومة انقاذ وطوارئ من ذوي الرؤى والثقل والسياسة ،لان هذا الامر اصبح ضرورة ملحة وسريعة ، لتعالج اساس العنف المجتمعي كهدف رئيس واساسية لها ، من خلال برنامج عملي وحازم نحو ردم الفوارق الاجتماعية ومعالجة الفقر والبطالة واعادة هيكلة الرواتب لذوي الدخل المحدود والمتقاعدين القدامى، ومراجعة التشريعات الضرائبية بما يخدم الفقر ويحمل راس المال جزءا من علاج العنف المجتمعي ، ولتفتح الملفات المتعلقة بالقلق والهواجس والمستقبل والهوية والتي اصبحت متداولة في وسائل الاعلام كافة حتى الدولية منها، وليكن الامر واضحا جليا ترتاح به النفوس وتهدأ ..



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات