حكومة الرزاز والعقد الاجتماعي
بينما تجهّز حكومة د. عمر الرزاز بيان الثقة، من الضروري أن يدرك الرئيس الجديد والمسؤولون والنواب والنخب السياسية أنّنا أمام ضرورة فتح أفق جديد في السياسات الأردنية يقوم على ثيمة الإصلاح المتكامل لبناء قدرة "النظام" على استيعاب المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي حدثت خلال الفترة الماضية، وكشفت احتجاجات 30 أيار وما بعدها عن ديناميكياتها الجديدة.
أحد أهم الكتب التي تتناول هذه اللحظات الانتقالية في النظم السياسية العالمية كتاب صموئيل هانتنغتون "النظام السياسي لمجتمعات متغيرة"، وبالرغم من مرور عقود طويلة على هذا الكتاب (وهو بالمناسبة الكتاب الذي بنى فوكوياما كتابه الجديد (الانحطاط السياسي) عليه)، إلاّ أنّه ما يزال مرجعاً مهماً ورئيساً لفهم النظم السياسية بخاصة في مرحلة التحولات.
في كتابه، يرى هانتنغتون أن قدرات مؤسسات أي نظام تتمثل في تكيّفها وتطوّرها لتتلاءم مع التغير الاجتماعي (وهو مرتبط بطبيعة الحال بتحولات اقتصادية وثقافية وسياسية) السريع لفئات جديدة في المجال السياسي.
هذه الجملة المفتاحية تلخّص أهمية الحديث عن التغيير والإصلاح والتطوير، لأنّ التفكير دوماً لدى بعض النخب الرسمية والسياسية هو في العمل الاعتيادي والقلق من فكرة الإصلاح أو التغييرات، لذلك نجد أنّنا نعود بعد كل محطّة اهتزاز، كما حدث مؤخراً، إلى الحكمة التقليدية لدى النخب التي تقوم على مبدأ Business as Usual.
اليوم هذه القاعدة (العمل الاعتيادي) أصبحت ضارة ومضرّة، ولا تخدم الدولة والمجتمع والنظام، فالعلاقات الاقتصادية التي تأسست عليها السياسات الرسمية خلال العقود الماضية تغيرت تماماً، بل انقلبت، وشعار الاعتماد على الذات يلخص ذلك، وحتى النظريات التي حكمت تفكير النخب التقليدية أيضاً ضعفت قدرتها على تفسير الأحداث الجارية، والمتغير الأكثر أهمية اليوم أنّنا أمام متغيرات اجتماعية كبيرة، جيل كبير من الشباب المثقف والمتعلم، طبقة وسطى عريضة تملك وعياً عميقاً، وفئات اجتماعية مهمشة اقتصادياً تعاني من أزمات البطالة والشعور بالفقر والحرمان، ودولة لم تعد قادرة على القيام بعملية التوظيف، وسياسات تقوم على الاسترضاء أثبتت عقمها بل كارثيتها على الإدارة والاقتصاد الوطني.
على النخب المشكّكة بأهمية الإصلاح وضرورته اليوم، وبأهمية إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة والمجتمع، وهي فكرة تطوير العقد الاجتماعي (التي تم استدخالها مؤخراً على الخطاب الرسمي، بعد أحداث 30 أيار) أن تخبرنا عن رؤيتها للبدائل الاستراتيجية والخيارات الأخرى المطروحة أمام الدولة ولمسار السياسات العامة الأردنية؟!
هذه الحكومة تواجه تحديّات كبيرة فعلاً وأمامها منعرجات كبيرة، ومن الضروري أن يدرك الرئيس ذلك، بمعنى أنّه أمام مهمة غير اعتيادية، تتطلب مستوىً عالياً من الأداء السياسي والإعلامي والاقتصادي. في المقابل من الضروري أن تدرك النخب المحافظة أو تلك التي تشكك في أيّ خطاب يدعو إلى التجديد والإصلاح والتطوير أنّ إفشال هذه الحكومة، أو فشلها الذاتي، وممانعة أي تفكير لتطوير السياسات والإدارة والنظريات التي تحكم علاقة الدولة بالمواطن هي -أي الوقوف في وجه التطوير- عملياً يجعلنا نستمر في الدوائر المفرغة، وتنامي مشكلات الإدارة والبطالة والأزمات الاجتماعية والثقافية والسياسية!