مؤامرة "العقد الاجتماعي"!
أيّ مشروع إصلاحي متكامل تبدأ به الدولة أو الحكومات يجد فوراً فزّاعات جاهزة ودعايات لإجهاضه، ذلك ما حدث مع مشروع "الأقاليم سابقاً"، الذي تم تصويره كجزء من صفقة الحل النهائي، بالرغم من أنّ مضمونه التنموي وصيغته المجتمعية أفضل بكثير من مشروع اللامركزية الحالي، وهو ما يحدث حالياً مع مفهوم "العقد الاجتماعي الجديد".
الطريف في الأمر أن الفزاعات هي نفسها جاهزة للتشغيل في كل مرة يكون فيها نوايا للإصلاح والتغيير نحو الأفضل، فتبدأ نغمة الوطن البديل، وتفكيك الدولة والتآمر على القضية الفلسطينية والهوية الوطنية، وكأنّ المطلوب دوماً أن نبقى تحت رحمة مفاهيم وسياسات ومنهجيات أثبتت فشلها أو على الأقل لم تعد صالحة اليوم مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية الكبيرة التي حدثت!
الأطرف هو ما تردده بعض النخب السياسية اليوم، ويثير السخرية فعلاً، بربط حديث الحكومة عن العقد الاجتماعي الجديد بـ"صفقة القرن"! للمرة الأولى التي سمعت فيها هذه الجملة ظننت أنّها نكتة أو مزحة للفكاهة فقط، لكن في أوساط سياسية مغرمة بنظرية المؤامرة وأوساط أخرى مرتبطة بالوضع القائم وترتعد من التغيير، وأوساط ثالثة فقدت الثقة في كل شيء، يصبح مثل هذا الربط أمراً مقبولاً، وربما مصدّق!
مثل هذا السيناريو يفترض تواطؤ الدولة الأردنية بأجهزتها المختلفة ومطبخ القرار والحكومة مع الإدارة الأميركية والإسرائيليين والفلسطينيين على تمرير صفقة القرن مسبقاً، وتجهيز الحالة الداخلية الأردنية لمثل هذه المرحلة، وهو تحليل يقفز على المنطق والعقل والواقع، ويجازف بتصوّر خيالي يستخف بالدولة والشعب والوطن والمصالح الوطنية، ويفضل ذلك الوهم البعيد على القول إنّ العقد الاجتماعي الجديد ما هو إلاّ مصطلح حركي لمشروع تجديد الدولة والإصلاحات العامة المؤجلة المطلوبة، وإزالة المنطقة الرمادية بين الدولة والمواطنين، تلك التي تشكّلت خلال العقود الماضية نتيجة تراكم الخلل في السياسات العامة.
نذهب إلى السيناريو الأبعد المؤامراتي ونترك السيناريو القريب الواقعي؛ لماذا؟! هل المشكلة في مفهوم العقد الاجتماعي الذي هو ببساطة واختصار عنوان لمشروع إصلاح عام متكامل، أم المشكلة في العقلية السياسية التي تتخوف أو تمانع الإصلاحات والتغييرات الضرورية للإدارة العامة والمؤسسات السياسية والتشريعات التي تحكم الحياة العامة!
أم أنّ المشكلة في مصطلح العقد الاجتماعي؟ فإذا كانت كذلك فيمكن بسهولة استبداله بمصطلح آخر، النهضة الوطنية، الإصلاح المتكامل، نظرية الدولة أو الحكومة، فلا نريد أن نخوض معارك وهمية دنكشوتية على شيء غير موجود أصلاً، المطلوب أن تكون المعركة الحقيقية في الجوهر وأن نشترك فيها جميعاً، الدولة والحكومة والمواطنين والمجتمع المدني من أجل انطلاقة جديدة ومرحلة أخرى مختلفة عما سبق، تقوم على قيم الإصلاح والتجديد والتقدم، ونخرج من كهف مخاوفنا عن المؤامرات الوهمية، لأنّ المؤامرة الكبرى الحقيقية نرتكبها بحق بلدنا ومجتمعنا والأجيال المقبلة هي أن نتصالح مع الأخطاء والخطايا، ونقبل بأن نرى الاختلالات ونرفض الإصلاح الذي أصبح اليوم ضرورياً، بل حاسم في تحديد مستقبلنا.
الغد - الاحد 15/7/2018