السلطة ،،، العشيرة ،،،،الديمقراطية ثلاثية الصراع الحضاري الاردني
تم نشره الأربعاء 12 كانون الثّاني / يناير 2011 10:21 مساءً
الديمقراطية ليست عٌقاراً سحريا تقدمه الدول الغربية كوصفة علاجية إلى أبناء شعوب دول الشرق الأوسط المحكومة بالنظم القبلية والعشائرية والأسرية ، سعيا منها إلى تغيير تلك المجتمعات إلى أنظمة ديمقراطية بين ليلة وضحاها ، بسبب ابتعادها عن تحليل الواقع الحقيقي للتركيبة الاجتماعية المبنية على القبلية والعشائرية في مسألة تفوق انتماء الفرد في العالم العربي إلى القبيلة أو العشيرة أو الأسرة أكثر بكثير على انتمائه إلى الدولة، تلك الانتماءات التي باتت تعتبر اليوم من أهم المعوقات التي تقف عائقا إمام تحقيق الديموقراطية في دول العالم الثالث على النمط الغربي.
أجريت انتخابات ديمقراطية في الأردن ، والنتيجة أثبتت تفوق الانتماء القبلي والعشائري على الانتماء الوطني من خلال ما تعكسه وما تفرزه ذهنية المواطنين من أفكار واليات بعيدة كل البعد عن ابسط المبادئ الديمقراطية، فمشروع الديموقراطية يقوم على تراكمات قيم ومبادئ الثقافة الديمقراطية، وعلى قيم العدل والمساواة بين المواطنين في كيان اسمه دولة المؤسسات، بينما القيم المذكورة لا تجدها في قاموس مجتمع القبيلة أو العشيرة، بل انها تبدو في كل تجلياتها تراتبية في عقلية وذهنية المواطن الأردني بغض النظر إلى أية عشيرة انتمى. إما في الجانب المنطقي والعقلاني نجد ان مسألة المساواة والعدالة تناقضها دوما حالة التعصب في المجتمع القبلي والعشائري المترسخة والمتجذرة في البنية التركيبية في وسطها الاجتماعي، لانها توحي لعضو القبيلة او العشيرة شيء من الزعامة والتمايز والتفوق على الاخر، ليس بسبب قدراته ومؤهلاته او امكانياته الفكرية والثقافية والعلمية كما هو الحال في المجتمع الديمقراطي أو المجتمع المعلوماتي ، بل بسبب رابطة الدم ورابطة الحسب والنسب، فالمرء في مجتمع العصبية ينزع الى السلطة بكل تراتبيتها ، لأنها مصدر النفوذ والاحترام والاعتبار والهيبة والقيمة ، فإنسان العصبية محكوم بهاجس السلطة ، فهي الهدف والغاية بالنسبة له ، لما تتيحه له من مكاسب تشبع نوازعه الأولية وتستجيب لأطماعه ومطامحه ، ولم تقصد السلطات تغييب القيم القبلية الإيجابية من إباء واعتزاز بالكرامة ورفض الظلم وحماية المظلوم والتصدي للعدوان ونخوة وشجاعة وإيثار، لتسود قيم نكث الوعود والغدر وإهدار دم الخصوم وارتكاب الجرائم باسم العشيرة.
وقد استفادت القيادات القبلية الجديدة ليكتسبوا المكانة القهرية ،كل ذلك جاء على خلفية النظام الديمقراطي الذي جاء لتطوير المجتمع فأسيء استخدامه ، بعبارة أخرى أصبح نهج النظام غائي سياسي قام بإحياء امتيازات وأمجاد الماضي وإعادة رسم الخريطة الاجتماعية ليس بواسطة مكارم الأخلاق أو الشجاعة كما كان في غابر الأزمان بل بسلطة وقوة جديدة تتفق مع النظام الرأسمالي إلا وهي سلطة المال والعنجهية . والعشرنة أو السياسة العشائرية الجديدة قلبت الموازين رأسا على عقب ، وهي نهج أضر بالقيم الوطنية ، وادت الى تمزيق لحمة النسيج الاجتماعي الاردني ،والعشائرية الجديدة تحولت الى مجموعات ضغط على طريقة العرابية واللوبية واصبح لها قيادات جديدة اشبه بزعامات العصابات ، أي وكأنها عصابات امتزجت بالتقاليد والاعراف القديمة لخلق البلبلة العشائرية بديلا لتوازن القوى العشائري التقليدي، هكذا استبدلت في بلدنا الشرعية السياسية والتحالفات المدينية مجددا بالتحالفات القبلية ، وانتشرت ظاهرة (الانصار - العشيرة) الموحدة ، ومع الزمن ظهر في الاردن أيضا الرديف القوي الذي يدعم الزعامات القبلية برفضها الانصياع للقانون وهو الشرائح الطفيلية التي اثرت بسرعة كبيرة عن طريق استغلال السلطة وممارسة النشاطات الاقتصادية غير المشروعة كالتهريب ونهب المال العام وتعاطي الرشوة والصفقات غير القانونية،،،،،،،،،الخ ، وهنا تداخلت موضوعيا رغم انف الجميع مصالح العشيرة التقليدية التي وجدت في العشائرية ملاذها الآمن عند الشدائد بسبب التخويف من ضياع الوجود .
لقد تباطأ الركب الاردني في مسيرته نحو الديمقراطية ، وتراجعت فيه قيم التكافل الاجتماعي والتراحم الأسري وحب العمل والكدح والارتباط بالأرض وتوسعت عنده الشهوة الجامحة للاستهلاك والنزعات الفردية الأنانية والاهتمامات الضيقة والجري اللاهث وراء تحسين الدخل وغيره من قيم وأخلاقيات المجتمع الاستهلاكي - الطفيلي الجديد- وقد ترجمت الذهنية الاردنية أفكارها بنزاعات اجتماعية أهلية بدلا من ان تكون قاعدة لحوار بناء لمواجهة التحديات السياسية والتنموية وإفساح المجال للصراع الفكري ان يدلو بدلوه في بناء المجتمع المدني في الاردن.
ان اهم ما يعيق تطور المجتمع المدني هو النخب الحاكمة والأرستقراطية التي تعمل على فرض مشاريعها التنموية الزائفة ، والطبقات الوسطى الحديثة ، والتخلف الموروث المتعدد الجوانب ، وهيمنة الريف والبدونة أو القبلنة والعصبية القبلية ، وتراجع دور الأحزاب والحركات لمطابقتها النخب الحاكمة بالبنية الذهنية والسلوكية والنمطية ،ويفترض المجتمع المدني أو العمراني بلغة ابن خلدون فكرة العقد الاجتماعي بين أطراف المجموعة الاجتماعية وبين البشر عموما وحينها تكون الحكومة الحكم والمراقب، وعليه يعتبر المجتمع المدني ترتيب جديد للمجموعات الاجتماعية لا يأخذ بعين الاعتبار رغبة أي من التنظيمات والعقائد الاجتماعية والشخصية الموروثة في فرض نفسها على الجميع حتى وان تمأسست في مؤسسات كالدين والطائفة والعشيرة - القبيلة بل والحزب السياسي . وتظهر الأرستقراطية القبلية مع عملية التمييز والتباين فيما بين القبائل وداخل القبيلة الواحدة نفسها ،وهنا تظهر العصبية باعتبارها القوة التي تملكها الارستقراطية القبلية في سبيل الملك وتوظف لها التضامن القبلي، وقد تستبدل عصبية الرحم بعصبية الحلف والولاء من اجل المدافعة ، بدافع ان الناس عندما تتحطم الأحلام عندهم وتتمزق عظمة الدولة وهيبتها ،يرتد الناس الى ولاءاتهم وهوياتهم الصغيرة العمودية والأفقية بنوع من الدفاع السلبي والاحتماء الذي لا يجدي لينكفئوا الى قبائلهم وعشائرهم وهوياتهم المحدودة ، ويجري إعادة انتاج العائلة والقبيلة والعشيرة … ليصبح الولاء للوطن تاليا بالدرجة للولاء لها ، والولاء للانقسامات والتشرذمات داخلها قبل الولاء لها ، والولاء لقيادات الشراذم قبل كل ولاء.
تنتمي الولاءات القبلية والعشائرية الجديدة المتجددة في الاردن الى هذا المجتمع الأهلي القرابي " القرابية الدمية ،السلالية " الذي لا ينتج الا التشرذم وانصاره يحملون العقل الإيماني المفرمل الكابح للثقافة العقلانية والقائم على الولاء الفئوي ،والتزمت والانتهازية والوصولية والفساد، وهذه الولاءات جزء من الانتماءات الضيقة التي ازدادت ضيقا بسبب فقدان الامان والحياة القاسية والخوف من الغد والمستقبل ، وتتمثل قسوة الحياة في تواضع الرواتب والبطالة الواسعة والتضخم الاقتصادي وانتهاكات حقوق الانسان وشيوع الفساد وقمع السلطات وغياب الدولة والقبيلة - العشيرة لا تطلب هنا سوى الالتزام النفسي بها والاحتماء في ظلها وتحت خيمتها والايمان بها، والاحتماء هنا ذو شقين : الحماية الروحية والحماية المادية.
وتلعب الواسطة دور كبير في تكريس الانتماء الضيق ، لقد أفرز نمطا الدولة الاردنية والنظام السياسي المعاصر الاردني في الحقبة السياسية التي بثت الحياة في منطق التضامن والقرابي القديم واستدعت وجوده بقدر تحول هذه الدولة الى أداة لتنظيم سيطرة نخبة وتحويلها الى نوع من القبيلة أو الطائفة المغلقة والمتحكمة ، أي بقدر تحول الدولة الى عصبية خاصة ووسيلة لتكوين قبيلة جديدة هي قبيلة أصحاب الحكم واتباعهم !أي ان اصل المشكلة هو في تحول الدولة الى مركز عصبية خاصة بدل ان تكون وسيلة استخراج وبلورة الإرادة والإجماع الوطني … والقبلنة أو العشرنة - العشائرياتية وحتى القبلية الجديدة والتعشير ماهي إلا استعادة بشكل عصري لبعض مفاهيم العصر الكلاسيكي لأنه مهما بلغت درجة الأخلاق القبلية من سمو فإنها تبقى جزئية وتجزيئية قرابية ومتخلفة، ( بيع الولاءات على قدر الوعود ، توزيع الوعود على قدر المكاسب ، إطلاق التهديدات بالنيابة محسوبة بالعائد السياسي ، اجتياح سوق السياسة ....) ولأن القبيلة فكرة قائمة على التعصب وذات نفس دكتاتوري مطلق لتوارث المناصب وقمع الحريات ، وقد تستطيع القبيلة توفير الحماية والرفاه لأبناءها في ظل الاوضاع الحالية لكن النزعة القبلية تقتل الديمقراطية في المهد .
إن أهمية المؤسساتية المدنية تكمن في قدرتها على تنظيم وتفعيل مشاركة الشعب في تقرير مصائره بنفسه ومواجهة تحديات الحياة اليومية وفي قيامها بنشر ثقافة المبادرة وتأكيدها على ارادة المواطنين في الفعل التاريخي والمساهمة في تحقيق التحولات السياسية والاجتمااقتصادية حتى لا تبقى حكرا على النخب السياسية . وفي المجتمع المدني تصبح حرية الناس أقل فأقل تقييدا واكثر فأكثر اتساعا بدرجات متفاوتة .....ويعتبر الدفاع عن الرأي الآخر والحق في الاختلاف الشرط الأساسي لتأسيس تقاليد الحوار ونهوض المشروع الاجتماعي المبني على الوفاق بين المتباينات من الآراء والأطراف مع ضمان حرية الرأي والرأي الآخر.....ويشترط الحق في الاختلاف إنتاج عقلية قابلة بشرعية الاختلاف - البديل لكل استبداد مغلف بلبوس الوحدة حيث الانفراد بالسلطة ، أما الاختلاف المطلق فهو تعبير عن الصراع العصبوي والعشائري والفوضى الاجتماعية …ولا تستند عضوية المؤسساتية المدنية على عوامل الوراثة أو رابطة الدم أو الولاءات الأولية مثل الأسرة والقبيلة والعشيرة ولا حتى الولاءات الحزبية والاستقطابية والوصاية لأن ذلك يفقدها الاستقلالية بل تستند على العمل التطوعي المنظم في القطاعات العامة والمهنية والاجتماعية، لكن المؤسسة العشائرية - القبلية تتميز بتعدد السيادات الذي تتنافى مع وحدة السيادة التي يفترضها وجود الدولة لأن الوطن بالنسبة للقبلي يتحدد بحدود امتداد قبيلته بينما يتجسد الوعي القبلي في الشعور بوجود القبيلة ذاتها ويتعارض التنظيم العشائري مع الارادة العامة ، وتتجسد الطبيعة الانقسامية في نفس النسق القرابي الذي يقوم على أساس من التمييز بين القبيلة والفخذ والبطن والعائلة والبيت، والمؤسسة القبلية ذات قدرة هائلة على الالتواء والتكيف وذات مطاطية ومطواعية للركوع للظروف التاريخية الأشد اختلافا لكن قدرتها بالولوج في التطور الاجتمااقتصادي المتعدد الجوانب متباينة حسب الظروف التاريخية والميدانية ،وتعمل السلطات عادة على تبديل الوظيفة البنائية - الهيكلية في العمل القبائلي والعشائري بحجة تحديث وتعبئة واعادة تكوين التأسيس القبلي وصياغة أسس جديدة للعرف العشائري الجديد بينما تناور الزعامات العشائرية لتوظيف المصاهرات القرابية في العشيرة الواحدة وبين القبائل المختلفة لأغراض سياسية - اجتماعية واقتصادية.
إن إدراك النخب السياسية الاردنية لجوهرية السلطات القائمة والوحدة الاجتماعية والحفاظ على الاستقرار يتجلى في إشاعة ثقافة المجتمع المدني واللاعنف والحوار والرأي والرأي الآخر مع تكثيف الحياة السياسية بالتقاليد الديمقراطية ، والابتعاد عن المهاترات السياسية وضغط التجارب ، والإدراك المشترك لضرورة الأولويات في مرحلة إرساء السلطات وتعزيزها وإمكانيات نهوضها في ظل التداخل والتأثير الآني لنوازع المناطقية والطبقية .
ان الاردن ليس بحاجة الى الديمقراطية والى فهم وممارسة قواعد اللعبة الديمقراطية بقدر حرصه على تنمية قيم المواطنة الحقة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية بمعزل عن اجواء المناورات التي تخلق المشكلات المتجددة ، فالانظمة سواء ديمقراطية ام ديكتاتورية لا تؤثر بالشعب ان لم تجبل اخلاقه ومبادءه على حب الارض والانتماء لها ، فكلنا للوطن وعلينا ان نبقى له مخلصين !!!!
أجريت انتخابات ديمقراطية في الأردن ، والنتيجة أثبتت تفوق الانتماء القبلي والعشائري على الانتماء الوطني من خلال ما تعكسه وما تفرزه ذهنية المواطنين من أفكار واليات بعيدة كل البعد عن ابسط المبادئ الديمقراطية، فمشروع الديموقراطية يقوم على تراكمات قيم ومبادئ الثقافة الديمقراطية، وعلى قيم العدل والمساواة بين المواطنين في كيان اسمه دولة المؤسسات، بينما القيم المذكورة لا تجدها في قاموس مجتمع القبيلة أو العشيرة، بل انها تبدو في كل تجلياتها تراتبية في عقلية وذهنية المواطن الأردني بغض النظر إلى أية عشيرة انتمى. إما في الجانب المنطقي والعقلاني نجد ان مسألة المساواة والعدالة تناقضها دوما حالة التعصب في المجتمع القبلي والعشائري المترسخة والمتجذرة في البنية التركيبية في وسطها الاجتماعي، لانها توحي لعضو القبيلة او العشيرة شيء من الزعامة والتمايز والتفوق على الاخر، ليس بسبب قدراته ومؤهلاته او امكانياته الفكرية والثقافية والعلمية كما هو الحال في المجتمع الديمقراطي أو المجتمع المعلوماتي ، بل بسبب رابطة الدم ورابطة الحسب والنسب، فالمرء في مجتمع العصبية ينزع الى السلطة بكل تراتبيتها ، لأنها مصدر النفوذ والاحترام والاعتبار والهيبة والقيمة ، فإنسان العصبية محكوم بهاجس السلطة ، فهي الهدف والغاية بالنسبة له ، لما تتيحه له من مكاسب تشبع نوازعه الأولية وتستجيب لأطماعه ومطامحه ، ولم تقصد السلطات تغييب القيم القبلية الإيجابية من إباء واعتزاز بالكرامة ورفض الظلم وحماية المظلوم والتصدي للعدوان ونخوة وشجاعة وإيثار، لتسود قيم نكث الوعود والغدر وإهدار دم الخصوم وارتكاب الجرائم باسم العشيرة.
وقد استفادت القيادات القبلية الجديدة ليكتسبوا المكانة القهرية ،كل ذلك جاء على خلفية النظام الديمقراطي الذي جاء لتطوير المجتمع فأسيء استخدامه ، بعبارة أخرى أصبح نهج النظام غائي سياسي قام بإحياء امتيازات وأمجاد الماضي وإعادة رسم الخريطة الاجتماعية ليس بواسطة مكارم الأخلاق أو الشجاعة كما كان في غابر الأزمان بل بسلطة وقوة جديدة تتفق مع النظام الرأسمالي إلا وهي سلطة المال والعنجهية . والعشرنة أو السياسة العشائرية الجديدة قلبت الموازين رأسا على عقب ، وهي نهج أضر بالقيم الوطنية ، وادت الى تمزيق لحمة النسيج الاجتماعي الاردني ،والعشائرية الجديدة تحولت الى مجموعات ضغط على طريقة العرابية واللوبية واصبح لها قيادات جديدة اشبه بزعامات العصابات ، أي وكأنها عصابات امتزجت بالتقاليد والاعراف القديمة لخلق البلبلة العشائرية بديلا لتوازن القوى العشائري التقليدي، هكذا استبدلت في بلدنا الشرعية السياسية والتحالفات المدينية مجددا بالتحالفات القبلية ، وانتشرت ظاهرة (الانصار - العشيرة) الموحدة ، ومع الزمن ظهر في الاردن أيضا الرديف القوي الذي يدعم الزعامات القبلية برفضها الانصياع للقانون وهو الشرائح الطفيلية التي اثرت بسرعة كبيرة عن طريق استغلال السلطة وممارسة النشاطات الاقتصادية غير المشروعة كالتهريب ونهب المال العام وتعاطي الرشوة والصفقات غير القانونية،،،،،،،،،الخ ، وهنا تداخلت موضوعيا رغم انف الجميع مصالح العشيرة التقليدية التي وجدت في العشائرية ملاذها الآمن عند الشدائد بسبب التخويف من ضياع الوجود .
لقد تباطأ الركب الاردني في مسيرته نحو الديمقراطية ، وتراجعت فيه قيم التكافل الاجتماعي والتراحم الأسري وحب العمل والكدح والارتباط بالأرض وتوسعت عنده الشهوة الجامحة للاستهلاك والنزعات الفردية الأنانية والاهتمامات الضيقة والجري اللاهث وراء تحسين الدخل وغيره من قيم وأخلاقيات المجتمع الاستهلاكي - الطفيلي الجديد- وقد ترجمت الذهنية الاردنية أفكارها بنزاعات اجتماعية أهلية بدلا من ان تكون قاعدة لحوار بناء لمواجهة التحديات السياسية والتنموية وإفساح المجال للصراع الفكري ان يدلو بدلوه في بناء المجتمع المدني في الاردن.
ان اهم ما يعيق تطور المجتمع المدني هو النخب الحاكمة والأرستقراطية التي تعمل على فرض مشاريعها التنموية الزائفة ، والطبقات الوسطى الحديثة ، والتخلف الموروث المتعدد الجوانب ، وهيمنة الريف والبدونة أو القبلنة والعصبية القبلية ، وتراجع دور الأحزاب والحركات لمطابقتها النخب الحاكمة بالبنية الذهنية والسلوكية والنمطية ،ويفترض المجتمع المدني أو العمراني بلغة ابن خلدون فكرة العقد الاجتماعي بين أطراف المجموعة الاجتماعية وبين البشر عموما وحينها تكون الحكومة الحكم والمراقب، وعليه يعتبر المجتمع المدني ترتيب جديد للمجموعات الاجتماعية لا يأخذ بعين الاعتبار رغبة أي من التنظيمات والعقائد الاجتماعية والشخصية الموروثة في فرض نفسها على الجميع حتى وان تمأسست في مؤسسات كالدين والطائفة والعشيرة - القبيلة بل والحزب السياسي . وتظهر الأرستقراطية القبلية مع عملية التمييز والتباين فيما بين القبائل وداخل القبيلة الواحدة نفسها ،وهنا تظهر العصبية باعتبارها القوة التي تملكها الارستقراطية القبلية في سبيل الملك وتوظف لها التضامن القبلي، وقد تستبدل عصبية الرحم بعصبية الحلف والولاء من اجل المدافعة ، بدافع ان الناس عندما تتحطم الأحلام عندهم وتتمزق عظمة الدولة وهيبتها ،يرتد الناس الى ولاءاتهم وهوياتهم الصغيرة العمودية والأفقية بنوع من الدفاع السلبي والاحتماء الذي لا يجدي لينكفئوا الى قبائلهم وعشائرهم وهوياتهم المحدودة ، ويجري إعادة انتاج العائلة والقبيلة والعشيرة … ليصبح الولاء للوطن تاليا بالدرجة للولاء لها ، والولاء للانقسامات والتشرذمات داخلها قبل الولاء لها ، والولاء لقيادات الشراذم قبل كل ولاء.
تنتمي الولاءات القبلية والعشائرية الجديدة المتجددة في الاردن الى هذا المجتمع الأهلي القرابي " القرابية الدمية ،السلالية " الذي لا ينتج الا التشرذم وانصاره يحملون العقل الإيماني المفرمل الكابح للثقافة العقلانية والقائم على الولاء الفئوي ،والتزمت والانتهازية والوصولية والفساد، وهذه الولاءات جزء من الانتماءات الضيقة التي ازدادت ضيقا بسبب فقدان الامان والحياة القاسية والخوف من الغد والمستقبل ، وتتمثل قسوة الحياة في تواضع الرواتب والبطالة الواسعة والتضخم الاقتصادي وانتهاكات حقوق الانسان وشيوع الفساد وقمع السلطات وغياب الدولة والقبيلة - العشيرة لا تطلب هنا سوى الالتزام النفسي بها والاحتماء في ظلها وتحت خيمتها والايمان بها، والاحتماء هنا ذو شقين : الحماية الروحية والحماية المادية.
وتلعب الواسطة دور كبير في تكريس الانتماء الضيق ، لقد أفرز نمطا الدولة الاردنية والنظام السياسي المعاصر الاردني في الحقبة السياسية التي بثت الحياة في منطق التضامن والقرابي القديم واستدعت وجوده بقدر تحول هذه الدولة الى أداة لتنظيم سيطرة نخبة وتحويلها الى نوع من القبيلة أو الطائفة المغلقة والمتحكمة ، أي بقدر تحول الدولة الى عصبية خاصة ووسيلة لتكوين قبيلة جديدة هي قبيلة أصحاب الحكم واتباعهم !أي ان اصل المشكلة هو في تحول الدولة الى مركز عصبية خاصة بدل ان تكون وسيلة استخراج وبلورة الإرادة والإجماع الوطني … والقبلنة أو العشرنة - العشائرياتية وحتى القبلية الجديدة والتعشير ماهي إلا استعادة بشكل عصري لبعض مفاهيم العصر الكلاسيكي لأنه مهما بلغت درجة الأخلاق القبلية من سمو فإنها تبقى جزئية وتجزيئية قرابية ومتخلفة، ( بيع الولاءات على قدر الوعود ، توزيع الوعود على قدر المكاسب ، إطلاق التهديدات بالنيابة محسوبة بالعائد السياسي ، اجتياح سوق السياسة ....) ولأن القبيلة فكرة قائمة على التعصب وذات نفس دكتاتوري مطلق لتوارث المناصب وقمع الحريات ، وقد تستطيع القبيلة توفير الحماية والرفاه لأبناءها في ظل الاوضاع الحالية لكن النزعة القبلية تقتل الديمقراطية في المهد .
إن أهمية المؤسساتية المدنية تكمن في قدرتها على تنظيم وتفعيل مشاركة الشعب في تقرير مصائره بنفسه ومواجهة تحديات الحياة اليومية وفي قيامها بنشر ثقافة المبادرة وتأكيدها على ارادة المواطنين في الفعل التاريخي والمساهمة في تحقيق التحولات السياسية والاجتمااقتصادية حتى لا تبقى حكرا على النخب السياسية . وفي المجتمع المدني تصبح حرية الناس أقل فأقل تقييدا واكثر فأكثر اتساعا بدرجات متفاوتة .....ويعتبر الدفاع عن الرأي الآخر والحق في الاختلاف الشرط الأساسي لتأسيس تقاليد الحوار ونهوض المشروع الاجتماعي المبني على الوفاق بين المتباينات من الآراء والأطراف مع ضمان حرية الرأي والرأي الآخر.....ويشترط الحق في الاختلاف إنتاج عقلية قابلة بشرعية الاختلاف - البديل لكل استبداد مغلف بلبوس الوحدة حيث الانفراد بالسلطة ، أما الاختلاف المطلق فهو تعبير عن الصراع العصبوي والعشائري والفوضى الاجتماعية …ولا تستند عضوية المؤسساتية المدنية على عوامل الوراثة أو رابطة الدم أو الولاءات الأولية مثل الأسرة والقبيلة والعشيرة ولا حتى الولاءات الحزبية والاستقطابية والوصاية لأن ذلك يفقدها الاستقلالية بل تستند على العمل التطوعي المنظم في القطاعات العامة والمهنية والاجتماعية، لكن المؤسسة العشائرية - القبلية تتميز بتعدد السيادات الذي تتنافى مع وحدة السيادة التي يفترضها وجود الدولة لأن الوطن بالنسبة للقبلي يتحدد بحدود امتداد قبيلته بينما يتجسد الوعي القبلي في الشعور بوجود القبيلة ذاتها ويتعارض التنظيم العشائري مع الارادة العامة ، وتتجسد الطبيعة الانقسامية في نفس النسق القرابي الذي يقوم على أساس من التمييز بين القبيلة والفخذ والبطن والعائلة والبيت، والمؤسسة القبلية ذات قدرة هائلة على الالتواء والتكيف وذات مطاطية ومطواعية للركوع للظروف التاريخية الأشد اختلافا لكن قدرتها بالولوج في التطور الاجتمااقتصادي المتعدد الجوانب متباينة حسب الظروف التاريخية والميدانية ،وتعمل السلطات عادة على تبديل الوظيفة البنائية - الهيكلية في العمل القبائلي والعشائري بحجة تحديث وتعبئة واعادة تكوين التأسيس القبلي وصياغة أسس جديدة للعرف العشائري الجديد بينما تناور الزعامات العشائرية لتوظيف المصاهرات القرابية في العشيرة الواحدة وبين القبائل المختلفة لأغراض سياسية - اجتماعية واقتصادية.
إن إدراك النخب السياسية الاردنية لجوهرية السلطات القائمة والوحدة الاجتماعية والحفاظ على الاستقرار يتجلى في إشاعة ثقافة المجتمع المدني واللاعنف والحوار والرأي والرأي الآخر مع تكثيف الحياة السياسية بالتقاليد الديمقراطية ، والابتعاد عن المهاترات السياسية وضغط التجارب ، والإدراك المشترك لضرورة الأولويات في مرحلة إرساء السلطات وتعزيزها وإمكانيات نهوضها في ظل التداخل والتأثير الآني لنوازع المناطقية والطبقية .
ان الاردن ليس بحاجة الى الديمقراطية والى فهم وممارسة قواعد اللعبة الديمقراطية بقدر حرصه على تنمية قيم المواطنة الحقة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية بمعزل عن اجواء المناورات التي تخلق المشكلات المتجددة ، فالانظمة سواء ديمقراطية ام ديكتاتورية لا تؤثر بالشعب ان لم تجبل اخلاقه ومبادءه على حب الارض والانتماء لها ، فكلنا للوطن وعلينا ان نبقى له مخلصين !!!!