مناهجنا التعليمية: نظرة نقدية
المنهاج المدرسي مجموعة متكاملة من المعارف والخبرات والأنشطة الموجهة والمخطط لها والتي تقدم للطالب ضمن بيئة تربوية وتعليمية محددة سواء داخل المدرسة أم خارجها بهدف تحقيق مجموعة من النتاجات التعلمية في نهاية خبرة تعليمية ما بحيث يصبح قادرا على أن يدرك ويحس وينفعل ويسلك كما هو الحال في مجتمعه المحيط، فهل مناهجنا الاردنية تحقق هذا المفهوم الحديث للمنهاج ؟
ان المتصفح لمناهجنا التعليمية يلاحظ بشكل جلي ان هناك مجموعة من الملاحظات التي تتكرر في كثير من الكتب المدرسية، كالأخطاء الطباعية واخطاء التصميم المتعلقة بخلوها من الالوان الممتعة أحيانا وعدم مناسبتها للتعلم الذاتي أحايين أخرى إلى عدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، وعدم مناسبتها للمراحل العمرية والنمائية.
لا أقول ذلك جزافا أو من منطلق تخصصي في علم نفس التعلم والتعليم ولكن أقوله كوني ولي أمر مطلع على مناهج التعليم منذ تسع سنوات أي منذ العام الذي دخلت فيه ابنتي الكبرى الصف الاول الأساسي ثم توالت الأعوام تلو الاعوام حتى وصلت إلى الصف التاسع وفي كل عام كنا نقدم المقترحات للمشرفين التربويين ولصناع القرار التربوي ونكتب في الصحافة بكل انواعها ولكن بلا جدوى، وإنني احتار كيف للمواطن العادي أن يتابع أبنائه في ظل المناهج الحديثة التي تبنى في ضوء الأنشطة والتجارب المخبرية إذا كان الكتاب لا يضم بين دفتيه بنية معرفية متكاملة يستطيع الطالب فهمها ومراجعتها.
سنسلم لوزارة التربية والتعليم ادعائها بأن المناهج مبنية على طريقة التجريب والاكتشاف ومعدة وفقا لهذه الغاية النبيلة حتى تعلم أبنائنا التفكير العلمي والابداعي، وتبني المعرفة في أذهانهم بطريقة بنائية قائمة على الفهم والاستبصار لما يتعلمون، ولكن هل مدارسنا ومختبراتنا وبيوتنا معدة وفقا لهذه الغاية ؟
ان الكتب وخاصة العلمية منها (العلوم، الكيمياء، الفيزياء، الاحياء) في الغالب لا تحتوي على بنية معرفية منظمة، وانما هي (نتف) من المعلومات المجزأة إذ يبدأ الدرس بسؤال او تجربة، ثم تأتي آلية تنفيذ التجربة مع المواد الضرورية للوصول إلى استنتاج المفهوم العلمي، وهذه طريقة رائعة بشرط ان تقدم بطريقة تفاعلية وعملية ويتبعها دراسة البنية المعرفية على شكل محتوى مكتوب، أما ان تكون هي الوحيدة في منهاج الطالب فهذا يترك الامور عرضة للفقدان والضياع، فماذا لو مرض الطالب وغاب عن الدوام ذلك اليوم الذي طبقت فيه التجربة في الغرفة الصفية ؟ من أين له ان يستنتج المعرفة تلك ؟ هل بنيت مناهجنا على نظام المنحى التكاملي متعدد الوسائط (Integrated Multimedia System) ويقدم للطالب قرص (C.D) ليجري التجربة على حاسوبه الشخصي ويرى تمثيلا للتفاعلات ثم يستنتج المفهوم بشكل ذاتي؟ ، ثم هل يقوم المعلمون بقياس مخرجاتهم التعليمية وفق ذات الطريقة الاستقصائية فيأخذون الطلبة إلى المختبرات لإجراء الامتحانات؟ أم أن أساليب القياس والتقويم لدينا ما زالت مبنية على طريقة حفظ المعرفة واستدعائها من الذاكرة في قاعة الامتحان ؟ فيدرس الطلبة بطريقة ويتم اختبارهم بطريقة أخرى.
ان ما يحدث في الواقع هو ان الطلبة يلهثون وراء المعرفة للحصول عليها من افواه المعلمين ويكتبونها على دفاترهم، فإن أضاع احدهم دفتره سعى لأقرب زميل له يرجوه أن يعيره دفتره ليحصل على ما فاته من معرفة، وسعى بعضهم إلى صفحات الانترنت يلملم ما يريد من بين جنباته المليئة بالغث والسمين.
إن ما نطلبه من وزارة التربية هو توفير دليل لولي الأمر ليتم الرجوع إليه عند الضرورة ويكون هذا الدليل محتويا على البنية المعرفية وأسلوب تدريسها للطالب بحيث تعمد إلى نخبة من التربويين والمتخصصين في العلوم المتختلفة لإعداد هذا الدليل وتوفره إلكترونيا على موقعها على الانترنت كما توفره ورقيا وتترك أمر شرائه من المكتبات لولي الامر.
أما باقي المناهج الاخرى فالوزارة مطالبة بالتشديد على تضمين المناهج منظومة القيم الوطنية والمعايير الأخلاقية الاجتماعية للسلوك القويم، والتركيز على قيم المدنية والتسامح والحب والحوار، وتحفيز الطلاب على إدراك الواقع الاجتماعي والتحديات التي تواجه الوطن والأمة، بحيث ينمى لديهم حس المواطنة والمدنية، والمشاركة السياسية ليكونوا قادرين على تحمل المسؤولية والمشاركة فيها.