استراتيجية التجريف!
يفتضح التكرار والمراوحة في توصيف ما انتهى اليه المشهد العربي نوعا من الزهايمر السياسي، ومن يعود ثلاثة عقود الى الوراء ويرصد ما ساد في العالم العربي من آداب وفنون وخطاب اعلامي وسجال سيجد السبب الذي يبطل العجب، فما الذي نتوقعه بعد ان وجدت استراتيجيات التجهيل وتجريف الوعي واستبدال القضايا والتلاعب بالاولويات مجالا حيويا في هذا الواقع!
واذا صحّ ان الاناء يرشح او ينضح بما فيه فإن رائحة ما رشح خلال هذه الفترة تزكم الانوف، لأن ما كان طيّ الكتمان وفي الادراج المعتمة اصبح على الشاشات، وما كان همسا خجولا اصبح اكثر صخبا من خوار الثيران، لأن الافاعي عندما تشعر بالدفء بعد سبات وتجد المناخ ملائما للفحيح لا تتردد، وهذه الفترة نموذجية لكل من تستر على مواقف شائنة بكل المعايير، وكان المثل القائل ان الذين استحوا ماتوا بهذا الوقت الذي حذفت فيه الفواصل وقلبت فيه المعادلات واصبح كل شيء مُتاحا في غياب الكوابح والروادع سواء كانت اخلاقية او قومية.
منذ اكثر من ثلاثين عاما والتدهور يشمل كل انشطة العرب، الخطاب الاعلامي الجاهلي والسينما السوقية والادب الرخيص والاستغراق في الاستهلاك كلها تدهورت ولم تبق اية خطوط حمر، ويكفي ان نتذكر المصائر الكوميدية السوداء التي انتهى اليها زعماء ودول وجيوش، بحيث اصبح الجيل الذي رضع هذا الحليب السام عدميا، وبلا ذاكرة، ان من يدهشه ما يجري هو الذي لا يعرف الربط بين الاسباب والنتائج!
الدستور - الاربعاء 18/7/2018