هل يهتم الناس بالشأن العام؟
حينما تحتدم الأزمات في بلادنا، يبدو أن كل الناس معنيون بالتفاصيل وهذا أمر طبيعي؛ حيث تزدحم الآراء وتقل المعلومات، بينما نجد حالة انسحاب باهتة من الاهتمام بالشؤون العامة في أغلب الأوقات، وفي هذه المفارقة إجابة عن سؤالين أساسيين هما لماذا تفشل أشكال المشاركة الشعبية وتبدو أشكال رثة وشكلية ولا قيمة لها في الحياة العامة؟ ولماذا كل هذه الفوضى والضجيج في ممارسة المساءلة الشعبية، ما يجعلها في كل مرة عاجزة عن أن تتحول الى أداة حقيقية للضغط على السلطات وصناع القرار.
علينا الاعتراف بأنه رغم كل الضجيج وفوضى الآراء لا يوجد لدينا تقاليد الاهتمام بالشأن العام، وهذا ينعكس في أشكال المشاركة والمساءلة، وحتى نؤسس لمجال عام جديد، علينا أن نفهم القوى الفاعلة الجديدة والقديمة وكيف يعمل كل منهما في هذه البيئة، وكيف يمكن أن يستثمر المجال العام الجديد بالنعمة المجتمعية المتمثلة بالشباب من خلال تمكينهم أن يفرضوا أشكالا جديدة من المشاركة. ثم، وما المطلوب حتى يغيروا القواعد التقليدية للمشاركة والمساءلة والتفاعلات ومعنى القوة السياسية والمجتمعية على مختلف المستويات.
غياب التربية على الشأن العام لا يتوقف عند تلك الحدود المباشرة، بل يتجاوز ذلك إلى فهم الآلية التي تنتج الاستبداد والتطرف والفساد. وهو ما يعيدنا إلى مقولة أفلاطون القديمة: "الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لامبالاتهم بالشؤون العامة، هو أن يحكمهم الأشرار". وبعده بنحو أكثر من ألفين وخمسمائة عام، جاء أحد الآباء الكبار للعلوم الاجتماعية المعاصرة؛ إميل دوركهايم، ليؤكد أن وظيفة التربية هي أن تخلق من الإنسان كائنا جديدا، هو كائن اجتماعي مندمج بالشؤون العامة لجماعته. وفي هذا السياق، فإن فكرة التربية على الشأن العام أكبر من التربية على المواطنة، وأكبر من التربية المدنية.
في الثقافة الشعبية المحلية، يقال إن الحكي يريح كما هو الحال في الشأن العام، فالناس لديهم رغبة في أن يقدموا أفكارهم ومقترحاتهم التي يعتقدون أنها سوف تسهم في تحسين نوعية الحياة وربما إصلاح السياسات العامة للدولة، كما أن هناك فئات تعتقد أنها تملك حلولا سحرية لمشاكل المديونية والطاقة والمياه وربما الانحباس الحراري ولها حق في الحكي، وعلى جانب آخر ثمة فئات واسعة أخرى تريد فقط أن تُسمع صوتها لمسؤول أو لمن يصغي لها تشرح ما تواجهه من معاناة في عيشها اليومي أو معاناتها مع المواصلات ووسائل النقل العام والأزمات التي جعلت المدن لا تطاق وأقساط الجامعات والمدارس وفواتير الكهرباء والماء، الناس في لحظة ما يريدون أن يحكوا ويريدون من يصغي لهم.
ولعل هذا الواقع يفسر لماذا يزدهر حضور الناس على شبكات التواصل الاجتماعي في مجتمعاتنا أكثر من المجتمعات التي أوجدتها؛ ويفسر أيضا بأن التضييق على حريات التعبير العامة يقود الى ظواهر اجتماعية وسياسية يصعب التكهن بها. في تقرير التنمية العربية الأخير 2016 المخصص لأوضاع الشباب في العالم العربي، ذهب التقرير الى أن أكبر مشكلتين يواجههما الشباب العربي اليوم؛ البطالة وعدم وجود منابر للتعبير والمشاركة في الشؤون العامة وفي كل ما يتعلق بحياتهم.
أن نجعل الشأن العام مسألة جوهرية في الحياة اليومية للناس مسألة لم تعد ترفا بل ضرورة وهي صلب الإصلاح وأساسه المتين، وهو ما يتطلب قنوات حرة ومسؤولة لتدفق المعلومات العامة ومنصات مسؤولة ومهنية للنقاشات العامة وقبل ذلك أن تدخل التربية على الشأن العام على نظامنا التعليمي.
الغد - الاحد 29/7/2018