حالة العباد
كنا قد دخلنا في أزمة مصطلحات عقدت القضية بدل تبسيطها، خصوصا حين لا تكون نحتا جديدا بل مستدعاة من أدبيات السياسة والتاريخ لمحاكاة حالة محلية، فتنشأ حولها تخمينات تذهب الى أقاصي الغرف المظلمة في الدماغ المؤامراتي العالمي.
مؤخرا، تم ربط "العقد الاجتماعي الجديد" بصفقة القرن بالزلازل الخفيفة في شمال فلسطين والأردن، لكن الاكتشافات الأخيرة لقضايا فساد، أو للدقة، أعمال جرمية اقتصادية مثل قضية الدخان نقلت التنظير للمؤامرة الى ميادين جديدة، خصوصا مع الإشاعات عن تورط شخصيات عامة، وتستعر وسائل التواصل بالأخبار والمعلومات والتحليلات ووصلت الدرك الأسفل بتداول فيديوهات مفبركة أو مدعاة تخص شخصيات عامّة.
ومع أن المداهمات والكشف عن أماكن جديدة يخصان جهات غير الأولى التي اكتشفت لتصنيع الدخان وأشياء أخرى وربما المخدرات لهي على درجة عالية من الخطورة وتكشف عن اقتصاد مواز إجرامي في البلد، فالأخطر أن يكون هناك تواطؤ وصلة لشخصيات سياسية ونيابية ولو بصورة غير مباشرة، فهذا يعني أن ثمة نمطا مافياويا للنفوذ على السلطة وفي الشأن العام يحصل على المال من عاملين في استثمارت وأنشطة غير قانونية تحقق الثراء السريع مقابل توفير الحماية والتسهيلات لهم، ولعل هذا النمط كان يتشكل على غفلة منا ويحتاج الى إرادة سياسية صلبة لمواجهته واقتلاعه من جذوره.
وفي الأثناء، تواصل حكومي يومي قوي وشفاف مع الرأي العام يضع المعلومات أولا بأول حتى الحالات المنظورة أمام القضاء. ويكفي هنا التذكير بأن تحويل قضية الدخان الى محكمة أمن الدولة تم تفسيره بأنه يهدف لحجب القضية عن الرأي العام وإعاقة استعادة المطلوب الأول في القضية لأن الجهات الدولية لا تعترف بغير المحاكم المدنية.
أمام الحكومة تحد كبير لمواجهة حالة الهيجان وحتى الذهان على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يهدد التنظيم الاجتماعي وحالة العباد والتوازن النفسي والاتزان الإدراكي على المستوى الجمعي. وهو أيضا يدفع الى الهامش النقاش الجدي حول قضايا البلاد والحوار الحكومي المجتمعي لبلورة سياسات إنقاذية في مختلف المجالات.
هذا النقاش جار بالفعل هذه الأيام، ونعتقد أن سياسة حكومة الرزاز تقوم على التواصل والشفافية لإنضاج القرارات وعدم التفرد بصياغتها في الغرف المغلقة. ويقوم نائب رئيس الوزراء د. رجائي المعشر، ومعه بعض الوزراء، بسلسلة لقاءات مع مختلف القطاعات لمناقشة الشأن الضريبي تمهيدا لإصدار مشروع قانون جديد لضريبة الدخل يستدرك ما وقعت به الحكومة السابقة من أخطاء عندما قدمت مشروعا صدم الرأي العام وتصادم مع جميع القطاعات.
في الأثناء، يقوم المجلس الاجتماعي الاقتصادي بسلسلة حوارات مع مختلف القطاعات وبمشاركة الوزراء المعنيين لمناقشة "تقرير حالة البلاد"، مع أن هذا المصطلح صنع هو أيضا لبسا؛ إذ يستوحى اسم "حالة الاتحاد" الذي يطلق على الخطاب السنوي لرئيس الولايات المتحدة، وتساءل البعض اذا كانت وظيفة المجلس إصدار هكذا تقرير. والحقيقة أننا لم نر هذا التقرير يقدم في الجلسات أو منشورا على موقع المجلس، وقد يكون المقصود بالتقرير هو خلاصات ونتائج النقاشات التي ينظمها المجلس.
الغد - الاثنين 30/7/2018