ليس بكاءً على الأطلال !!
قد لا يكون دقيقًا القول بأن لكل زمان دولة ورجال، لأن هناك ازمنة تتساقط فيها الدول ويعزّ الرجال، وحين يقال ان الحنين الى الماضي هو مجرد نوستالجيا ورومانسية منزوعة الفاعلية به قدر كبير من التعميم، فربيع الدولة العباسية مثلا ليس كخريفها وتألق الاندلس ليس كانطفائها وغروب آخر عربي عنها عشية سقوط غرناطة، والفصول الاولى من تاريخ اليونان والرومان ليست هي النهايات غير السعيدة .
وما دام هناك ازمنة نهوض وازمنة انحطاط ، فان الحنين الى مرحلة ما من التاريخ ليس بكاء على الاطلال بل على منجزات حضارية وقومية لا تتكرر، ومن يتذكرون عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي سواء في عالمنا العربي او العالم يدركون كم خسر العالم من الابداع والقيم بالرغم من كل ما ربح على صعيد التطور التكنولوجي، بحيث اصبح كل ما هو عضوي واصيل مهددا ببدائل صناعية فما قيمة العلم اذا وضع في خدمة الخرافة ووظف لتصنيع بدائل شكلية تفتقر الى المضمون .
منذ تلك الفترة تضاعف عدد سكان العالم وانتهكت البيئة ولم يسلم شيء من التلوث، واذا اجرينا مقارنات سريعة بين حياة البشر في تلك الفترة وبين حياتهم اليوم لرأينا كم تراجع النوع لصالح الكم، فنحن نعيش الان مرحلة من الاستنساخ والقطعنة والاستغراق في الشجون الخاصة لا بد ان تؤدي الى الشعور بالوحشة والاغتراب لأن ما يتحكم بالعلاقات هو المنافع فقط، لهذا فهي موسمية ولا تدوم، وقد يكون للفرد مئات الاصحاب لكنه بلا صديق، وقد وصف الشاعر احمد حجازي هذا الزحام بأنه لا احد، لأن الناس مجرد عدد، مات ولد وجاء ولد !
الازمنة مُتماثلة بحيث يبدو من يحن الى الماضي مصابا بالنوستالجيا لأن البدايات بكل ما تبشر وتزخر به من حماسة واندفاع ليست كالنهايات، ويصح هذا على الدول والافراد !!
الدستور - الاربعاء 1/8/208