نحن الأردن
نخرج من المعركة مرفوعي الرأس. ثقة عظيمة بأن بلدنا وناسنا محميون على أفضل وجه من الإرهاب، وتضامن وطني مشهود ومشاعر جياشة من الحب والثقة والامتنان والتقدير لبواسل الدرك والأجهزة الأمنية. وأيضا غضب وحزن والتفاف حول ذوي الشهداء كما لو أن كل أسرة أردنية هي التي فجعت بفقدان ابنها.
نحن نمر كل يوم وفي كل مناسبة واحتفال بجانب سيارة نجدة أو باص درك ولا نفكر كثيرا في هؤلاء الشباب الذين يتناوبون على مدار الساعة لواجب يبدو مملا وثقيلا لدرجة لا تحتمل ثم ننتبه فقط في حوادث مثل أمس كم من القدسية والبطولة والفداء والتضحية في هذا العمل. إن آلاف الساعات من السهر والحراسة تنفق لدرء خطر دقيقة واحدة على مواطنين أو ضيوف أو مؤسسات. وفي الحرب مع الإرهاب يكون رجال الأمن هؤلاء في نفس موقف الجنود الساهرين على جبهة المواجهة وخطوط التماس مع العدو لأن كل مكان وكل عابر سبيل هو هدف محتمل لاعتداء الإرهاب. وهذا ما حدث مع الشهيد علي قوقزة. وجود دوريته على طوق الحراسة الثالث حمى آلاف المواطنين في قلب المهرجان في الفحيص. وعند هذه النقطة التي لا يستطيعون الاقتراب بعدها زرعوا عبوتهم الغادرة. وقد استغربت كثيرا بعض التعليقات التي تأخذ على الجهات المسؤولة إخفاء الرواية الحقيقية في البداية والطلب باستمرار المهرجان كأن شيئا لم يكن. لقد كان أداء احترافيا ممتازا، ولنتخيل لو تم مباشرة الإعلان أن الانفجار كان إرهابيا وبدأ إخلاء الآلاف المحتشدة في المهرجان!! ولنتخيل لو كانت خطة الإرهابيين (وربما كانت كذلك) استغلال الفوضى والتدافع وانهيار الأطواق الأمنية للنفاذ والقيام بتفجير انتحاري. بعد ذلك سجلت المخابرات العامة والأجهزة الأمنية إنجازا باهرا بالكشف عن خيط العملية الذي قاد الى الخلية الإرهابية ووكرها في أطراف السلط. ومن المؤكد أن ثمة تدريبا عالي الوتيرة واستفادة من دروس الماضي في عملية الحصار والاقتحام، لكن الإرهابيين عملوا هذه المرة على مبدأ "علي وعلى أعدائي" بتفخيخ المكان وتفجيره مع بدء الاقتحام، وعلى كل حال يستحيل في هكذا مواجهات افتراض خسائر محصلتها صفر، وأن أعظم المعاني تتجسد في استشهاد هؤلاء الشباب؛ إذ يفتدون أرواح أبناء بلدهم المهددين من الإرهاب الأسود الذي يطال كل الناس من كل الأعمار في كل مكان يظفرون فيه بتنفيذ جريمتهم.
هذه أول مواجهة عسكرية مباشرة بعد هزيمة داعش وسحقها في سورية والعراق، وهي على الأرجح من آخر الخلايا العسكرية المنظمة للإرهاب. وهي قد لا تكون الأخيرة، لكن القبض على من بقي على قيد الحياة سيتيح على الأرجح الوصول الى آخرين. وهذه الضربة الأخيرة ستشكل رادعا لآخرين من جدوى تنظيم خلايا مسلحة جديدة ناهيك عن المناخ العام المتسم بالانحسار في شرقنا العربي للتيارات المتطرفة والإرهابية.
إن القيام بالمهرجانات الثقافية والفنية كان بذاته تحديا للإرهاب الأسود المعادي للحياة والفرح والأمن السلم، وأقبل الناس بأعداد غفيرة وتم حفظ الأمن فيها بصورة مطلقة، وهذا الأداء الناجح في جميع الأوقات بحفظ أمان الناس في كل الأماكن والتجمعات من دون ضغط وتقييد هو قصة نجاح تسجل على مدار عقد كامل حين كان كل مكان حولي ينزف دما ويتداعى خرابا.
نحن الأردن نعلن النصر على الإرهاب عسكريا وسياسيا، مدنيا وثقافيا. نبكي شهداءنا ونزغرد لأبطالنا. لم نرضخ للابتزاز والخوف ودحضنا الفكر المتطرف في كل ميدان. نمارس بأنفسنا الاحتجاج السلمي على حكوماتنا ونسقطها ونستبدلها. ونبني حياة مدنية منفتحة بينما نعزز بنجاح قدراتنا العسكرية والأمنية الرادعة لكل من أراد بنا شرا.
الغد - الثلاثاء 14/8/2018