حتى يكون قانون الضريبة مبررا
لا يمكن أن تخرج هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى بقانون ضريبة يخلق حدا معقولا من التوافق الوطني في هذه الظروف السائدة، لأن المشكلة الحقيقية تتجاوز القانون وما قد يحمله من إصلاحات ضريبية ويتجاوز الحكومة ونواياها أيضا، فالمسألة اليوم مرتبطة بإرث كبير من التشوهات الاقتصادية والاجتماعية وطبقات متراكمة من عدم الثقة، لذا فما يحتاجه الناس لتمرير قانون ضريبة جديد أن يكون إصلاحيا بالفعل وأن يراعي الحد الأدنى من العدالة؛ طبعا هذا كلام إنشائي، لا يكفي لكي يوفر شرعية شعبية لتمرير مشروع القانون، الجوهر الحقيقي يكمن في أن يصل الى إدراك الناس بأن الحكومة لديها مشروع وطني حقيقي للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن تلمس آثاره خلال عام على أقل تقدير؛ أي إعادة تشكيل توقعات الناس.
الحكومة، في خلوتها الأخيرة، حددت ثلاثة محاور لبرنامجها تشمل تحسين الظروف المعيشية للمجتمع من خلال مكافحة الفقر والبطالة، وتحسين الخدمات العامة المتمثلة بالتعليم والصحة والنقل وغيرها من خدمات، وتنمية المشاركة والإصلاح السياسي، هذه عناوين عامة تحتاج لأن تتحول الى أفكار كبيرة تدور حول فكرة كبيرة واحدة هي "تجديد النهضة الوطنية" والانتقال من الانشغال بالسياسة اليومية والاسترضاء وخلق التوازنات الى الاشتغال على السياسات العامة؛ لدينا اليوم على الأقل خمسة ملفات كبرى يحتاج الناس لأن يسمعوا كلاما جديدا حولها بالتزامن مع الإصلاحات الضريبية، وأن يصل الى إدراكهم أن الحكومة جادة في إحداث تحولات حقيقية فيها؛ وهي:
أولا: يحتاج الناس لأن يسمعوا كلاما جديدا في ملف مكافحة الفساد وأن يروا إجراءات جديدة ومختلفة وبل اختراقية، تبدأ من إصلاح مؤسسات الرقابة وإنفاذ القانون المعنية بهذا الملف.
ثانيا: صحيح أن ملف الانفتاح الاقتصادي على سورية والعراق مرتبط بشبكة معقدة من التوازنات والمصالح الإقليمية والدولية، ولكن هناك إدراك متنام أن الأمور باتت تتجاوز ذلك، وهناك إمكانية للتحرك أسرع في هذا الملف.
ثالثا: إصلاح التشوهات في سوق العمل، ويشمل ذلك العمل على إصدار حزمتين من الإصلاحات؛ الأولى تتناول العمالة الوافدة، ويتضمن ذلك العمل على محورين أساسيين؛ الأول: إجراءات ضبط العمالة الوافدة غير المرخصة واستيفاء حقوق الخزينة المهدورة. هناك أرقام رسمية تتحدث عن مبالغ كبيرة في هذا الصدد، المحور الثاني؛ تطوير سياسة وطنية واضحة الملامح للإحلال الواقعي من العمالة الأردنية ولو بنسب متواضعة، يمكن البدء بتشكيل مجموعة تفكير وطنية من الحكومة وأصحاب المصلحة وتمنح مهلة شهر للخروج بوثيقة وطنية تشمل مقترحات وبرنامج عمل وطنيا. الحزمة الثانية تحتاج لخلية تفكير أخرى تخرج بسياسة عامة لإعادة تنظيم القطاع عير المنظم أو القطاع غير الرسمي، وهذا القطاع بات يشكل أكثر من ثلث الاقتصاد، وهو ليس مجرد دكاكين غير مرخصة بل آلاف المنشآت والأعمال.
رابعا: على الحكومة أن تبادر الى الإعلان عن رؤيتها أو خطتها لتطوير قطاع النقل والمواصلات في المملكة، هذا ملف عابر للحكومات، وهناك فشل متراكم ومنذ خمس حكومات هناك كلام بدون أي إجراء ولا حتى وثيقة وطنية لتطوير هذا القطاع الذي يعد أساس التنمية، كتب الزميل الدكتور فارس بريزات في (الجوردان تايمز) قبل أيام رؤية مهمة عن مشروع سكك حديد عابر للمحافظات من شمال المملكة الى جنوبه تحيطه مدن جديدة ومشاريع تنموية.
خامسا: الأتمتة والتحول الرقمي، لقد تأخر الأردن في هذا الملف، وبدأنا ندفع ثمن هذا التأخر، والأتمتة لا تعني الحكومة الإلكترونية فقط، بل الأخيرة مرحلة من عملية متعددة تعني نقل البلاد من خلال شبكة من نظم المعلومات المتطورة الى القرن الحادي والعشرين، التحول الرقمي والأتمتة مسألة مصيرية، فبدون هذا التحول لا مكان لنا في المستقبل القريب، وهذا يعني مدخلا لعشرات الحلول منها: تحسين جودة الخدمات العامة، تطوير منظومة النزاهة الوطنية، الحد من التهرب الضريبي، تحسين بيئة الاستثمار، لا وقت للانتظار على الحكومة لأن تبادر على الأقل بإطلاق خلية تفكير بالأردن الرقمي.