وسطاء أم سماسرة!
هل أصبح عدد الحكماء نادرا في هذه المنطقة من العالم التي شهدت عبر تاريخها الشجي العريق ميلاد أديان وفلسفات وانبياء لم يعرف العالم مثلهم من قبل؟ ورغم كل من مروا من الغزاة امتلكت شعوب هذه المنطقة شعورا عميقا بعبقرية المكان وكانت على الدوام نموذجا للتوازن والتكافؤ والوسطيات، لكن منذ اصبحت منطقة ما يسمى الشرق الاوسط وفقا لتصنيف استشراقي وكولونيالي المكان الجاذب لكل الاساطيل والقوى والبوابة الحارة لحروب المستقبل كما قال الكسندر هيج حتى تراجعت الحكمة الى الكهوف وآثر الحكماء العزلة لأنهم وُرّطوا رغما عنهم في الازمات والنزاعات، ومرّ زمن على حكماء هذه المنطقة وعقلائها قبل ان تصلها النار كانوا يديرون ازمات بنجاح في مختلف القارات، لكن العالم تبدل واصبح البديل لحكماء هذه المنطقة وعقلائها استراتيجيون مُتقاعدون وهم على الاغلب من الدبلوماسيين الذين خدموا في هذه المنطقة واصبحوا الادرى بشعابها ، ومن المثير بالفعل ان يتولى مهمة ادارة الازمات في عالمنا العربي والشرق الاوسط بعامة موظفون لا حكماء ولكل منهم ارتباطاته بسياسة بلاده اولا، او بالسياق الذي ينتسب اليه، وربما كانت ستينات القرن العشرين اواخر الايام التي صال فيها حكماء وعقلاء ووسطاء من اجل هذه المنطقة، لكن سرعان ما تغير ايقاع كل شيء في تلك الفترة وعلى سبيل المثال كانت السرعة في تعاقب انقلابات عسكرية قد بدأت تبشر بثقافة تستخف بمكونات الدولة واحيانا تخلط بينها وبين مفهوم النظام.
أما المفارقة الجديرة بالتأمل فهي ان الظروف القاهرة التي مرت في المنطقة حولت وسطاء اصليين الى سماسرة ازمات، وانتهت حتى بالمصالحات الى مقايضات موسمية وتراجعت الانتماءات الكبرى الى ولاءات صغرى!!
الدستور - الاحد 2/9/2018